أزمة اليونان..عودة إلى نقطة الصفر

11 مايو 2016
يونانيون يحتجون رفضا لإجراءات التقشف (Getty)
+ الخط -

ظنّ البعض أن ملف أزمة اليونان المالية قد طوي للأبد عقب حصول أثينا في أغسطس/ آب 2015 على مساعدات وقروض أوروبية بقيمة 86 مليار يورو في إطار صفقة إنقاذ ثالثة للبلاد، وتصور هؤلاء أن شبح الإفلاس ابتعد كثيراً عن الدولة الأوروبية المتعثرة ماليا، والتي تتفاقم أزمة ديونها يوماً بعد يوم، ليصل معدل الدين العام بها إلى 180% من إجمالي الناتج المحلي، وهو معدل قياسي إذا ما تمت مقارنته حتى بدول منطقة اليورو التي تعاني من مشاكل مالية مثل قبرص وبولندا واسبانيا والبرتغال وإيطاليا.

لكن مرة أخرى تعود أزمة اليونان المالية لواجهة الأحداث وتتصدر عناوين وكالات الأنباء هذه الأيام، ويسارع وزراء المالية بمنطقة اليورو لعقد اجتماعات مكثفة لبحث الأزمة، وكأنه يتكرر سيناريو ما حدث قبل ما يقرب من عام، حيث دبت الخلافات الحادة بين حكومة أثينا والدائنين الأوروبيين عقب إعلان اليونان عدم قدرتها على سداد ديونها الخارجية، وتم احتواء أزمة الصيف الماضي باتفاق وصف وقتها بالتاريخي، حيث تمت الموافقة على منح اليونان قروضاً بقيمة 86 مليار يورو مقابل تنفيذها بعض الإصلاحات الاقتصادية مثل الخصخصة وبيع بعض الأصول التابعة للدولة واجراء عمليات تقشف حادة للإنفاق العام وخفض الرواتب.

وبات الوضع الحالي معقدا، فأثينا لا تمتلك الأموال التي تمكنها من سداد الديون المستحقة عليها يوم 20 يوليو/ تموز القادم بقيمة 2.2 مليار يورو، ولذا تطالب الدائنين الأوروبيين بالتحرك والإفراج عن شريحة جديدة من حزمة الإنقاذ الثالثة قيمتها 5 مليارات يورو، مع الشكوى أيضاً من أن ما تم الإفراج عنه من حزمة الإنقاذ هو 21.4 مليار يورو فقط، ويجب الإفراج عن المبالغ المتبقية حتى لا تدخل البلاد في نفق مظلم يسبب اضطرابات لكل أسواق العالم.

لكن في المقابل يبدو موقف الدائنين، خاصة الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، متشدداً هذه المرة، فبعد عشرة أشهر من المفاوضات الصعبة لا يزال هؤلاء غير راضين عن الإصلاحات الأخيرة التي أقرتها حكومة اليونان ووافق عليها البرلمان مقابل المساعدات التي حصلت عليها أثينا في صيف عام 2015، وهو ما اعتبروه عائقاً أمام حصول البلاد على مساعدات إضافية.


كما يطالب الدائنون اليونان باتخاذ المزيد من إجراءات التقشف وجمع مدخرات بواقع 4 مليارات يورو للاعتماد عليها في سداد القسط المستحق من الديون الخارجية في حال الفشل في تحقيق الأهداف المالية، وهذا يعنى أن الدائنين يرسلون رسالة لأثينا مفادها اعتمدوا على أنفسكم في سداد الديون الخارجية.

الجديد في ملف الأزمة اليونانية هذه المرة هو أن مجموعة اليورو ما زالت تصر على أن تبدأ اليونان برنامجا للخصخصة، وأن تضع تشريعات جديدة تحكم القطاع المصرفي قبل منحها المزيد من المساعدات المالية، وفي المقابل تخشى حكومة رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس الاستجابة لكل متطلبات الدائنين، وهو ما يفقدها شعبيتها في الشارع خاصة مع المظاهرات الكبيرة التي اندلعت بالبلاد منذ أيام احتجاجا على خطط التقشف.

والجديد أيضا في الأزمة الحالية بروز خلافات حتى داخل صفوف الجهات الدائنة نفسها، خاصة ألمانيا وصندوق النقد الدولي، تجاه أسلوب معالجة الأزمة، واللافت أيضا الموقف المتشدد الذي تتبناه مديرة الصندوق كريستين لاغارد، والتي طالبت دول منطقة اليورو صراحة بإعفاء اليونان من جزء من ديونها وجدولة الديون القائمة، ولن نتحدث هنا عن موقف ألمانيا المتشدد أصلا حيث ترفض إسقاط أية مديونية مستحقة للاتحاد الأوروبي عن أثينا.

عودة الأزمة اليونانية للواجهة تؤكد أن ما حدث في صيف 2015 من اتفاقات وخطط إنقاذ كان مجرد ترحيل للمشكلة وليس حلا ناجحا لها، وأن تعثر الدولة الأوروبية وخروجها من عضوية اليورو وارد وربما قادم، وأن الأسواق المضطربة منذ اندلاع الأزمة العالمية في عام 2008 لم تهدأ بعد، وأن العالم ربما يكون مقبلاً على أزمة مالية قد تكون أعنف من سابقتها.

المساهمون