أزمة العملية السياسية في العراق

18 سبتمبر 2018
+ الخط -
يبدو أن الأزمة السياسية في العراق التي تنبأ بها كثيرون قبل سنوات قد وصلت إلى مداها، وأنها مقبلة على تصعيد أكبر، ليس بين أطرافها الفاعلة، وإنما بين تلك الأطراف والشعب العراقي الذي بات غير مقتنع بأن العملية السياسية قادرة على أن تعيد إليه بعضاً من حقوقه ومتطلبات حياته الأساسية.
كانت انتخابات 12 مايو/ أيار الماضي قاصمة الظهر لهذه العملية السياسية التي صنعتها قوة الاحتلال الأميركي عام 2003 عقب غزو العراق الذي يبدو أنه كان مخطّطاً له أن يكون بداية التغيير في الشرق الأوسط، وبداية الفوضى الخلاقة التي بشرت بها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، كوندوليزا رايس.
في الانتخابات الأخيرة، وعلى الرغم من كل الحملة الدعائية التي سبقتها، ومن محاولات تلك القوى السياسية إعادة طرح نفسها بعيداً عما كان مألوفا، إلا أن العزوف الشعبي كان كبيراً جدا، علما أن هذه المرة الأولى التي تجرى فيها الانتخابات التشريعية في العراق في وضع أمني هادئ نسبياً قياساً بالانتخابات السابقة، والمرة الأولى التي لا يتم فيها استخدام سيف القانون لإبعاد هذا المرشّح أو ذاك، والمرة الأولى التي كانت فيها لكل مرشح فرصة للإعلان والدعاية من دون اغتيالات أو اعتقالات كما في الانتخابات السابقة. ومع ذلك، لم تصل نسبة المشاركة في أحسن التقديرات إلى 20%.
تغير مزاج المواطن العراقي تغييرا لمحته أحزاب العملية السياسية، فقد شهدنا تحالفاً بين تيار مقتدى الصدر، الشيعي المتشدّد كما يوصف، والحزب الشيوعي، وشهدنا تحالفاتٍ تجاوزت التحالفات الطائفية السابقة، وذلك كله من أجل إقناع المواطن العراقي بالمشاركة في الانتخابات، فقد أدركت القوى الحزبية أن المواطن العراقي ملّ من أسطوانة الطائفية والعرقية، وبات يبحث عن أشخاص وأحزاب وحكومات تقدم له الخدمات، وتكون عوناً له، وتمنحه حصّته من خيرات بلاده التي باتت نهباً لكل من هبّ ودب.
يدرك أرباب العملية السياسية في العراق، إيران وأميركا بالتحديد، أن العراق بات بحاجة إلى تغيير من نوعٍ ما، لأنهم يعرفون أن انهيار هذه العملية لا يعني فقط انتشار الفوضى، وإنما أيضا قد يهدّد نفوذهم. وسعت الولايات المتحدة وإيران إلى تدارك سنوات الفشل والمرارة التي خلفتها سياستهم الفاشلة في العراق، فكانت بغداد والبصرة وأربيل محطاتٍ لقائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، والمبعوث الأميركي الخاص إلى العراق، بريت ماكغورك، لتجري حرب المصالح، سجالاً بين الطرفين، فالولايات المتحدة مهتمة، هذه المرة، بأن تكون الحكومة العراقية الجديدة أقل انحيازاً وتبعية لإيران، ليس حرصا منها على مصالح العراق والعراقيين، وإنما لأنها تريد حكومة تستجيب لضغوطها وحصارها على إيران.

قريباً من مشهد التلاقي والتخاصم السياسي الأميركي الإيراني في العراق، ثمّة تعقيدات أخرى باتت أكثر وضوحا في المشهد العراقي، فلم يعد قادة الكتل السياسية، وتحديدا الكردية والسنّية، يثقون بالطرف الأميركي الذي يبدو أنه فشل بجولة أخرى من جولات الصراع مع إيران في العراق، وبات حديثهم عن موثوقيّة الطرف الإيراني صريحا وغير خافٍ على أحد، ما يشير إلى خريطة سياسية جديدة لعراقٍ تترسّخ تبعيته لإيران، يوماً بعد آخر.
ما جرى في انتخابات رئاسة البرلمان العراقي السبت الماضي يؤكد أن ما يقترب هو تشكيل حكومة عراقية جديدة مشاكسة للتوجه الأميركي، فقد صعد محمد الحلبوسي، محافظ الأنبار السابق إلى رئاسة البرلمان، بدعم كتلتي سائرون والفتح التي يقال أنها باتت الأقرب إلى التوافق على تشكيل الحكومة، ولا يخفى على أحد الدور الذي لعبته إيران في تحقيق هذا التقارب. وذلك كله لإيجاد مخرجٍ، ليس لأزمة تشكيل الحكومة وحسب، وإنما أيضا للاختناق السياسي الذي وصلت إليه العملية السياسية. ومن هنا يمكن القول إن حكومة السنوات الأربع، كما ستسعى إيران وحتى أميركا معها، ستكون حكومة خدمات، يمكن ان تلبي حاجة العراقيين للخدمات التي باتت في وضعٍ لا يُحتمل.
السؤال الأهم، هل ستنجح هذه الحكومة في امتصاص نقمة الشعب الرافض للعملية السياسية، وليس لوجوهها فحسب؟ لا أرى ذلك، فالحكومة الجديدة، حتى وان أطلق عليها حكومة خدمات، فسوف تستعين بالوجوه نفسها التي دخلت العملية السياسية منذ 2003، والتي أثبتت فشلها، مع إجراء تغييراتٍ لن تكون مؤثرة. كما أن أي حكومةٍ لا تأخذ على عاتقها محاربة الفساد فعلاً لا قولاً، ستكون نسخةً مكرّرة من حكوماتٍ سابقة، ناهيك عن أن الحكومة الجديدة لن تتمكّن من التخلص من سطوة الأحزاب التي شكلتها. يجعلنا ذلك كله نؤكد أن أزمة العملية السياسية في العراق ستتواصل، وأن أزمة العراق التي طالت ستطول.
96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...