أزمة الحكومة التونسية مستمرة: عين الصيد على قصر قرطاج؟

25 يوليو 2016
يتمسك الصيد بطلب تجديد الثقة بحكومته (سيان غالوب/Getty)
+ الخط -
يصرّ رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد، منذ ظهور نية استبعاده من منصبه على خلفية مبادرة حكومة الوحدة الوطنية، على رفض الاستقالة والخروج بصمت من الباب الصغير، كما يحدث في نظام رئاسي مع أي وزير أول. كما يرفض الصيد أن يتحمل وحده حصيلة الفشل في تحقيق تقدم واضح على صعيد أغلب الاستحقاقات، باستثناء الاستحقاق الأمني الذي شهد تطوراً مهماً، ولكنه يبقى نسبياً لأن الأخطار لا تزال قائمة باستمرار.

ولئن كان مفهوماً أن يدافع الصيد عما حققه في ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية صعبة، فإن التساؤل يظل قائماً حول سبب إصراره على رفض كل الصيغ الدستورية وتمسكه بطلب تجديد الثقة بحكومته والتي يعرف مسبقاً أنها لن تتجدد.
لم يتردد رئيس حزب أفاق تونس، وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي في الحكومة الحالية، ياسين إبراهيم، في إبداء استغرابه من قرار الصيد بالقول إنه "من النادر جداً أن يصرّ رئيس حكومة على الذهاب إلى البرلمان لتجديد الثقة في حكومته (حددت الجلسة في 30 يوليو/تموز) بينما يعلم أن النتيجة ستكون سلبية".
ووفقاً لما قاله إبراهيم في تصريح إذاعي، فإن حزبه ليس موافقاً على الطريقة التي اختارها الصيد والمتمثلة في التوجه للبرلمان لتجديد الثقة في حكومته، وأنه كان يحبذ أن يقدم الصيد استقالته إلا أنه اختار التوجه إلى البرلمان، مشدداً في الوقت نفسه على احترام الحزب لهذا القرار.



غير أن التمعن في استراتيجية الصيد الأخيرة، التي حاول صياغتها بصمت، وبهدوء سياسي كبير إزاء عواصف الضغط الرئاسي والإعلامي الحزبي، يُلاحظ أنها صيغت بعناية كبيرة، ومن أجل الوصول إلى هدف واضح ومحدد يتعلق بمستقبله السياسي. ويبدو أنه يقود في نهاية الأمر إلى الاحتفاظ بحظوظه كاملة لدخول قصر الرئاسة في قرطاج.

يصرّ رئيس الحكومة التونسية على دعوة التونسيين للنظر في "نصف الكأس الممتلئة" وصرف النظر عما يشدّد عليه معارضوه حول فشل حكومته في إدارة الأزمة التونسية، مذكراً بالنجاحات الأمنية وتطور بعض المؤشرات الاقتصادية، داحضاً اتهامات إفلاس الدولة وعجزها عن سداد ديونها.
وفي الوقت نفسه، اعتمد الصيد على مقاربة تكشف جزءاً من شخصيته وتعكس أهدافه المستقبلية ونواياه، فقد أكد أنه لن يستقيل لأنه "ليس الجندي الذي يهرب من المعركة"، وأنه رجل الدولة الوفي بقوله "سأبقى على ذمة الدولة، ولن أتقاعد"، في انعكاس واضح لرغبته الجليّة في مواصلة العمل السياسي.
غير أن اللافت في تصريحات ومواقف الصيد هو قطعه لحبل الوصال مع السبسي، ومع حزب نداء تونس. فقد كشفت تصريحات رئيس الحكومة عن ضغوط من المحيطين بالرئيس التونسي الباجي قائد السبسي لدفعه إلى الاستقالة تحت تهديد "الإهانة" (استعمل مصطلحاً تونسياً: التمرميد")، ما أكسبه موجة من التعاطف الشعبي والحزبي. فقد أعلن النائب عن حركة النهضة بمجلس نواب الشعب، أسامة الصغير، أن الحركة ترفض أي تهديد لرئيس الحكومة الحبيب الصيد، مشدداً في تصريح إذاعي على أن هذه الممارسات مرفوضة، لأن الصيد رجل وطني "بذل كل ما لديه".
من جهته، دعا القيادي في نداء تونس بوجمعة الرميلي (من الشق المعارض لنجل الرئيس حافظ قائد السبسي، ومن المحسوبين على الصيد)، عبر صفحته الخاصة على "فيسبوك"، إلى التحري الرسمي في شأن معلومات تفيد بأن نور الدين بن تيشة، مستشار الرئيس، هو الذي اتصل بمحمد بن رجب، الوزير السابق وأحد أصدقاء الحبيب الصيد، وأبلغه بفحوى التهديد للصيد، بالعبارة المذكورة. كما أفاد بأن نائباً آخر أكد له أن مدير ديوان رئيس الجمهورية، سليم العزابي، أعلمه بدوره بأن الرئيس يريد من رئيس الحكومة أن يستقيل. واعتبر الرميلي أن اختيار رئيس الحكومة طلب تجديد الثقة هو "الأكثر جدية وتحميل للمسؤولية للجميع، نواباً ووزراء، وهو ربما الأسرع لكنه الأصعب حتى لا تمر الأمور بالسهولة، وربما بجانب من العبثية، التي أرادها البعض".

بدوره، اعتبر زعيم الجبهة الشعبية، حمة الهمامي، أن مبادرة حكومة الوحدة الوطنية أصبحت "وحلة وطنية" على حد وصفه، لأن هذه المبادرة قد تم طرحها في وقت صعب مع بداية شهر رمضان الماضي وفي ظل المشاكل الاجتماعية والتحديات الأمنية التي تواجهها بلادنا. وشدد الهمامي في تصريح إذاعي، على أن أصحاب مبادرة حكومة الوحدة الوطنية يسعون إلى إيجاد حل للأزمة داخل حزب نداء تونس، وخدمة جناح حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس التونسي، داخل هذا الحزب، وذلك من خلال التخلي عن الصيد الذي مال قليلاً لحركة النهضة، بحسب تعبيره.

ومهدت هذه الاتهامات لمستشاري الرئيس، والتي تم نفيها، لسيل من الهجمات من طرف المعارضة بشتى انتماءاتها، بشأن ما قالت إنه التدني الاخلاقي للممارسات السياسية التي أصبحت سائدة في البلاد.

وإلى جانت حديثه عن التهديدات، تطرق الصيد إلى مسألة اخرى، عندما اتُّهم مدير الأمن الوطني (القريب منه)، عبدالرحمن الحاج علي، بالتنصت على نجل الرئيس، لافتاً إلى أن تعيين مدير الأمن تم باقتراح منه وباستشارة السبسي. كما نفى الصيد أن يكون أمر بالتنصت على عائلة الرئيس، مؤكداً أن السبسي استفسر عن الموضوع وأكد له أن التنصت يتم بالقانون نافيا في ذات الوقت وجود أي خلاف بينه وبين نجل السبسي.
إلا أن الجميع يدرك أن جناح السبسي الابن في الحزب، وهو شخصياً، في خلاف كبير مع الصيد بسبب علاقة الصداقة بين الأخير والمدير السابق للحزب وللديوان الرئاسي رضا بلحاج.
وتكشف مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" أن مسألة التنصت والمراقبة تم كشفها بالصدفة في أحد مقاهي تونس، اذ تعهدت فرق الاستخبارات بمتابعة أحد المشكوك فيهم، من الأجانب على الأرجح، وبملاحقته العادية تبين أنه على موعد مع حافظ قائد السبسي في أحد مقاهي تونس، وبينما كان رجل الأمن بصدد تصوير الجلسة، أخبرت إحدى موظفات المقهى حافظ قائد السبسي بالموضوع، وانطلقت التحريات من الامن الرئاسي إلى أن وصلت إلى مدير الامن في وزارة الداخلية، وتبين أن الملاحق كان نجل الرئيس وليس الأخير شخصياً.

لكن هذه الاستراتيجية، والتي تهدف إلى إضعاف مؤسسة الرئاسة وحزب نداء تونس من جهة، وكشف الضغوط التي عمل في ضوئها رئيس الحكومة، بحسب أقواله، من جهة ثانية، قد تهدف إلى البحث عن ظروف تخفيف لتبرير الفشل الحكومي العام، وتقاسمه مع كل الشركاء، أحزاباً ورئيساً ونخبة سياسية، حتى لا تكون عودته السياسية المُحتملة مقترنة بخروجه الفاشل.
لكن مثول الصيد أمام مجلس نواب يناصبه الخلاف بالكامل تقريباً، بعد توضِّح موقف النهضة بالكامل، قد يسحب منه الثقة بإجماع يفوق الأصوات التي حصل عليها عند تعيينه، وقد ترتد عليه نتائج التصويت بالكامل. لكن الصيد يحتفظ في جعبته بردود قد تكشف جوانب أخرى من علاقته بمحيطه السياسي، وقد يكون مضطراً إذا انقلب عليه المشهد وفقد حظوظه بالعودة إلى اعتماد سياسية الأرض المحروقة، وكشف المزيد من الأسرار إذا لم يفلح أصدقاؤه وناصحوه بإقناعه بالعكس.