أزمة أن تكون إسلامياً واعياً!

27 اغسطس 2019

(Getty)

+ الخط -
سقطت الخلافة، لتصعد الحركة الإسلامية، أمةً مهزومة، محتلة، تشعر بالتهديد. الفكرة من جذورها تحمل بذور الغضب، فيما بعد تغذّيها سياسات قمعية، فتثمر دينا غاضبا، قراءةً عدوانية للإسلام، الولاء للذات والبراء من كل شيءٍ خارجها. الجاهلية في أحد معانيها هي الغضب المجاني، أن تنتج قراءة غاضبة للإسلام هي أن تتبنّى إسلاما جاهليا، نقيضا لنفسه، ثورةً مضادّة، انقلابا عقديا يتصوّر أصحابه أنهم يعيدون الأمور إلى أصلها، فيما لا أصل لهم سوى الأزمة. من الغضب تأتي الكراهية، وعنها تتفرّع المظلومية، فتصبح تفسيرا لكل شيء، حتى وهم يحكمون، يشعرون بالظلم، من الشعب الذي لم يقدّرهم حق قدرهم! من الإعلام الذي يسخر من أدائهم، من الدولة العميقة التي تحاربهم، من القوى الخارجية التي تتآمر عليهم، من القوى الداخلية التي تغار منهم، وتحقد عليهم، من الكون! 
حين يحكم الغضب، فالأكثر غضبا هو الأكثر دينا، والأكثر وعيا هو الأكثر ابتعادا وتساقطا على طريق الدعوة، ونقضا للعهد مع الله، الغضب يحرم أصحابه ثمرات النقد، حتى نقدهم الواعي لأنفسهم، يذهب أدراج الرفض والعصاب. يكتب محمد الغزالي في نقد الفكرة، يكتب يوسف القرضاوي في نقد الصحوة. يكتب محمد عمارة في نقد الحركة. ويكتب آخرون، تبدو هذه الكتابات، على الرغم من صدورها عن رموزهم، بلا أثر. تفقد تأثيرها أمام كتيبات مشايخ الغضب، وشرائط الكاسيت، ثم الفضائيات من بعد، وتظل الحركة والصحوة والجماعة والحالة كلها حاضرةً في الغياب.
تفشل محاولات الإصلاح من الداخل، عبدالمنعم أبو الفتوح يصاب بالضغط والسكر، ولا يجد حلا، يؤسس حزبا جديدا، يجد إجاباتٍ لم يحصلها الإخوان المسلمون في تسعين عاما، انحيازات اقتصادية واضحة، ورؤية سياسية ناضجة، تجربة جديدة يبتلعها أبناء "القديمة"، يشاركون النظام في تشويهه. وحين يُسجن، يفرح الشامتون بنصر الله. أبو العلا ماضي من قبله يعاني من جماعته أكثر مما عانى من الدولة التي رفضت حزبه 16 عاما. محمد البلتاجي وحلمي الجزار ومحمد علي بشر وغيرهم داخل جماعة الإخوان، الجميع يحاول، من دون جدوى.
في تركيا تجربة جادّة، وسياق مختلف، يصل أردوغان ورفاقه، يهاجمهم إخوان مصر. يكتب محمد مرسي، رحمه الله، مقالا بعنوان "الإخوان المسلمون والأحزاب الإسلامية المعاصرة"، ينفي الإسلامية عن حزب العدالة والتنمية، فقد رضوا بالعلمانية وفرّطوا، يتوعدهم بالزوال، بالزبد الذي يذهب جفاءً. فيما بعد، ينجح الأتراك، فيمدحهم من شتمهم، ويقدّم نفسه بهم.
راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو يحاولان. يكرر الإسلاميون في المشرق ما فعلوه بأردوغان، شتائم واتهامات ومزايدات وتخوين ومعايرة بالعلمانية. يصل الأمر في دناءته إلى التعليق على عزاء مورو في الرئيس الباجي السبسي بوصفه قلة دين، وفي سذاجته إلى التعليق على صورة ابنة مورو، بجواره، من دون حجاب، اتخذوها دليلا على عدم إسلاميته، غاب الإيشارب فغاب الإسلام!
حالة مستعصية على الإصلاح أو التجديد. التدين يتناسب طرديا مع حجم ما يطلقه صاحبه من صراخ وعويل ومزايدات وشعارات جوفاء، أغلب من عرفتهم ممن تجاوزوا وانتزعوا خلاصهم الفردي، تركوا، ليتكلموا، أو استمروا صامتين، خائفين، لا يجرؤون على مواجهة "الصف" بما يعتقدون، وإلا قتلتهم دببة التنظيم ليحموهم من لعنة الوعي، ويعيدوهم إلى جادّة الخراب!
الآن يبحث الشباب عن حل، تجاوزت الجماعة أغراضها، حلوها. السؤال الآن: ماذا بعد التنظيم، ماذا بعد الإخوان؟ سبقكم سلفيون واعون، أحمد سالم وعمرو بسيوني وآخرون، طرحوا سؤال "ما بعد السلفية". بدورهم يعانون، لكنهم بدأوا، فابدأوا. استنفد التنظيم أغراضه، تجاوزه الزمن، فشل في الحكم، في الإعلام، في المعارضة من الخارج. فشلت تجربة الصحوة التي لم تكن يوما مباركة، سوى من الأنظمة التي وظّفتها واستفادت منها، ظهرت حقيقة الشعارات أمام الثورات والانقلابات والاعتقالات والإعدامات. كل ما نشهده اليوم من ادعاءات بالصمود والثبات ما هو إلا محاولات بعد أخيرة للإنكار. حلّوها يا شباب، وابحثوا عن أسمائكم في دفاتر الزمن الجديد.