أزمة أخلاق أوروبا

26 سبتمبر 2018
"أزمة اللجوء" لأوروبا عنوان للانفتاح على الديكتاتوريين (Getty)
+ الخط -
منذ الصيف، عادت صورة البحث الأوروبي لتصنيف العلاقة مع العالم العربي إلى ما قبل العام 2011، لتظهر في أكثر من منطقة. أمر تجاوز رصد صحافة الغرب "المصدومة" بترحيب السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، بسيطرة نظام بشار الأسد على سورية، شرط عدم استخدام الكيميائي.

يبدو واضحاً أن بوابة "أزمة اللجوء" في أوروبا عنوان لمرحلة انفتاح على الديكتاتوريين، حتى دون عناء الخوض في أسباب ركوب أكثر من مليون إنسان لأمواج المتوسط بحثاً عن نجاة، من ذات أنظمة الفساد والديكتاتورية، المتشابهة في أفريقيا والشرق الأوسط. ورغم تقارير حقوقية دولية عن مدى توحش نظام عبد الفتاح السيسي في مصر، وكل سجل التغول بامتهان كرامة الناس، الذي أحصته خارجيات وبرلمانات الغرب، وتهكمها حتى مارس/آذار الماضي على "مأساة الانتخابات الديمقراطية لنظام انقلابي"، إلا أن الصورة باتت تسوق بكثير من رتوش النفاق والازدواجية. يُغرق الغرب، مؤسسات رسمية ومنظمات مدنية، شعوب "الدول النامية" بمشاريع وورش عن "الديمقراطية والمساواة والعدالة"، وأخرى ممولة بسخاء لتمكين المرأة وخفض منسوب "التطرف"، لكنه، في الوقت ذاته، حين تميل كفة الانتهازية لمصالحه الجيوسياسية، بما فيها منافسته مع روسيا وغيرها على مناطق النفوذ، يضرب بعرض الحائط كل ما تقدم.

المثير للانتباه، في زمن تقدم الشعبوية والتطرف القومي في بعض دول القارة الأوروبية، وتلك مسألة ينتهجها للأسف بعض اليسار المتطرف مع معسكر خليط من الفاشية والعنصرية، أننا أمام استعلائية وعلاقات دونية مع الأنظمة الاستبدادية باعتبارها "الأنسب لشعوب المنطقة". وفي السياق يمكن استحضار عشرات الأمثلة، من زيارات نخب الشعبويين إلى دمشق وتطوع فاشيين في مليشيات الأسد، ولعق بعض الغرب لانتقاداته للسجل الحقوقي للأنظمة ذاتها التي صدرت إليه مئات آلاف المهجرين، بعد تدمير أبسط مقومات حياتهم، لمصلحة طغم نخبوية عائلية فاسدة. فمعسكر التطرف في أوروبا له تأثيره اليوم، مع قابلية تقوم على ثقافة مترسخة وتسطيحية عمن يستحق الحقوق والديمقراطية. في أيام "محاربة الإرهاب" لم تتردد أميركا نفسها بشحن مواطنيها، ومواطني دول غربية أخرى، إلى مسالخ الأسد، وغيره، لانتزاع اعترافات، كما في قصة المهندس الكندي-السوري ماهر عرار. ولم يكن نصيب بريطانيا، وغيرها، مع أنظمة "الصراخ ضد الإمبريالية" أقل من غيرها. ففي علاقة طوني بلير وكوندوليزا رايس بمعمر القذافي أوضح الأمثلة. بالتأكيد مأساة الإنسان العربي راهناً ليست مسؤولية أوروبا، لكنها في الوقت ذاته تعكس نمطية التحالفات الانتهازية، التي تركل حقوق الإنسان من جهة، وتحاول في الأخرى الدوس على "سيادة" دول يحكمها حكام مهووسون بالبحث عن شرعية من الغرب نفسه. ويبقى السؤال: لماذا ينمو التطرف جنوباً، ويتدفق اللاجئون؟
المساهمون