أزمة "السترات الصفراء": ماكرون وحكومته يسابقان الوقت لإقناع الفرنسيين بجدوى الإجراءات الأخيرة
ولن يكون الأمر سهلاً، فالإعلانات الرئاسية التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لشراء السلم الاجتماعي، والتي تكلف الميزانية أكثر من 10 مليارات يورو، لا ترضي بعض وزرائه، خاصةً وزيري الميزانية والاقتصاد، كما أنها لا ترضي الإدارة الفرنسية، كما تؤكد صحيفة "لوبينيون".
وتتواصل التصريحات الحكومية التي توضح أكثر فأكثر الإعلانات الرئاسية، مسلطة الضوء على أهميتها وكيفية وتاريخ تطبيقها على الأرض، ووصولها إلى جيوب الفرنسيين. وقد قدّم رئيس الحكومة الفرنسية إدوار فيليب، أمس الإثنين، بعض التفاصيل عن هذه الإجراءات التي سيناقشها البرلمان يوم الخميس المقبل، والشيوخ، يوم الجمعة، ويصادق عليها، حتى تكون مُلزِمة بقوة القانون.
وينتظر أن تكون نقاشات البرلمان سريعة، حتى تستجيب للطابع الاستعجالي الذي تعيشه فرنسا، في ظلّ أصعب أزمة يواجهها ماكرون، الذي هوت شعبيته إلى مستوى 27 في المائة (73 في المائة من الفرنسيين غير راضين عن سياسته)، والذي جرّ معه سقوط رئيس حكومته، فلم يعد يحظى سوى بثقة 31 في المائة.
وشرح رئيس الحكومة إدوار فيليب، أن 30 في المائة فقط من المتقاعدين معنيون بالزيادة في ضريبة "المساهمة الاجتماعية المعممة"، بدل 60 في المائة، كما كان مقرراً قبل الإعلان الرئاسي.
كما أوضح أن مائة يورو خالصة، وعد ماكرون بمنحها لمن يوجد في وضعية هشة، وسيتم ذلك من خلال رفع واسع من المنحة المقدَّمة لمن يشتغل، ابتداء من الرابع من فبراير/شباط المقبل، مؤكداً أن هذه المنحة ستشمل خمسة ملايين منزل.
Twitter Post
|
وحتى تزداد المصداقية، سيجتمع الرئيس الفرنسي اليوم الثلاثاء مع وزرائه، ومع ممثلي شركات التأمين، بعدما كان التقى الأسبوع الماضي مسؤولي المصارف، لحثهم على تحمل بعض الأعباء والتخفيف على من يوجد في حالة هشاشة من زبائنهم. وسيناقش ماكرون مع رئيس حكومته قضية النقاش الوطني، الذي سيمتد ثلاثة أشهر، وينتهي في الأول من مارس/آذار 2019، من أجل الرد على كثير من أسئلة "السترات الصفراء"، وسيتم استعراض قواعد هذه الاستشارة الوطنية الشاملة، قبل عرضها غداً الأربعاء على مجلس الوزراء. وقد اضطر ماكرون، بسبب حرج اللحظة التي تعيشها فرنسا، إلى إلغاء مشاركته في التحضير للقاء مجموعة السبع في مدينة بياريتز الفرنسية.
ولا أحد في فرنسا يعرف طبيعة هذا النقاش وتفاصيله، وإن كان لعشرات الآلاف من عمدات فرنسا دور رئيسي فيه. وبعدما كانت للرئيس حساسية، عبّر عنها أكثر من مرة، من هؤلاء المنتخبين، إلا أنه عاد وامتدح دورهم في إرساء الديمقراطية المباشرة وقربهم الشديد من المواطنين.
ويبدو أن النقاش الوطني سيركز في قسم منه على ما أصبح يعرف بـ"استفتاء المبادَرَة المواطنية"(RIC)، والذي جعلت منه حركة "السترات الصفراء" شعاراً رئيسياً، من بين شعاراتها ومطالبها، للحدّ من تفرد الرئيس والحكومة بالقرار، وهو مطلب يلقى تجاوباً من أحزاب اليمين، لا سيما المتطرفة منها، وزعمت مارين لوبان أنه كان من مطالبها قبل سنوات، ودعماً من اليمين، حيث كرست له صحيفة "لوفيغارو" صفحتها الأولى وموضوعها الرئيسي: "الاستفتاء المواطنيُّ يفرض نفسه على النقاش".
Twitter Post
|
كما أن مواضيع أخرى ستتم مناقشتها على الصعيد الوطني، من بينها الانتقال الإيكولوجي وقضية الضرائب وتنظيم الدولة والديموقراطية والمواطَنَة. وتمّ إدراج قضية الهجرة في الموضوع الأخير، وهو ما يريد اليمين التقليدي واليمين المتطرف التركيز عليه، بسبب المكانة الهامة لقضية الهجرة في برامجها الانتخابية.
ولكن، وقبل كل شيء، يجب على حركة "السترات الصفراء" أن تضع حداً لإضراباتها وحركاتها، وخاصة التوقف عن شلّ الطرقات ومحاصرة خزانات الوقود و"السوبرماركات"، وهو إنذار وزير الداخلية كريستوف كاستانير الذي كرره، منذ يوم السبت الماضي، ولكن لا شيء يمنح الانطباع النهائي بأن الحركة تلفظ أنفاسها الأخيرة.
كما كتبت "لوفيغارو" اليوم: "انتهى (الحراك)، إنه انتهى، سوف ينتهي، ربما سينتهي. نحن، منذ شهر، في المرحلة ذاتها". وأضافت: "وهي أمنية الحكومة، التي تلاحظ انخفاض عدد المتظاهرين، وترى فيه علامة على أن إعلاناتها تمّ استقبالها بفرح. ولكن بعض الإجراءات، مَهْما كان مُرحَّباً بها، لا تكفي كجواب عن تغيّر مجتمع"، خاصة أن "بعض المتظاهرين لديهم إحساس بأن شيئا ما لم يكتمل..".