أزمات بالعلاقات المغربية الفرنسية... والرباط تتجه نحو مدريد وبرلين

01 يوليو 2014
انكماش في العلاقات الثنائية بين البلدين (فاضل سينا/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

يتضخم "سوء الفهم الكبير" بين المغرب وفرنسا، لتكون المحصلة أربع أزمات دبلوماسية خلال خمسة أشهر، وهو ما لم يحصل سابقاً في العلاقات الخارجية للمملكة، سوى مع جارتها الشرقية الجزائر، الأمر الذي يطرح أكثر من سؤال حول حقيقة علاقة المملكة مع من كان يعتبرها حليفاً استراتيجياً، قبل أن تتحول إلى "عدو مفترض".

انطلق مسلسل التوتر بين الرباط وباريس في فبراير/شباط الماضي، عندما استدعت السلطات الفرنسية مدير الاستخبارات المغربية، عبد اللطيف الحموشي، بتهمة تعذيب مواطنين فرنسيين من أصل مغربي، لتضاف إليها تصريحات منسوبة للسفير الفرنسي بالأمم المتحدة، جيرار آرو، وصف فيها المغرب بـ "العشيقة"، فضلاً عن إخضاع وزير الخارجية المغربي، صلاح الدين مزوار، لتفتيش دقيق بأحد مطارات العاصمة الفرنسية في مارس/آذار الماضي، ثم حادثة "الاعتداء" اللفظي على ضابط عسكري مغربي كبير في مستشفى فرنسي، قبل أيام قليلة.

ترافقت معظم هذه الحوادث الدبلوماسية، التي جرت خلال مدة زمنية وجيزة، مع احتجاجات شديدة من المغرب، تُوج بعضها باستدعاء السفير الفرنسي، شارل فري، لتليها إما اعتذارات، أو وعود من الطرف الفرنسي، بعدم التكرار، لتنكمش بعدها العلاقات الثنائية بين البلدين.

يؤكد مصدر مسؤول في وزارة الشؤون الخارجية المغربية، طلب عدم الكشف عن هويته، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، على أن "الأولوية في السياسة الخارجية للمملكة، هي الحرص على أن تتم معاملتها من طرف حلفائها الاستراتيجيين، والدول الأخرى، بقدر من الاحترام والاعتبار، في إطار القوانين والأعراف المعمول بها".

ويتابع المسؤول المغربي قائلاً: "صحيح أن فرنسا تعد أحد أكثر الحلفاء الأوروبيين حظوة عند المملكة، بفضل تشابك المصالح المشتركة، والعلاقات التاريخية العريقة والمتينة بين البلدين، غير أن ذلك لا يعني أن يسمح المغرب المس بسيادته أو كرامته، ولا أن يقبل الإساءة من أية جهة كانت، وكيفما كانت".

هذا الموقف الدبلوماسي من المغرب إزاء فرنسا، يعتبره أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة طنجة، محمد العمراني بوخبزة، مؤشراً إلى دبلوماسية جديدة بات المغرب ينهجها في الآونة الأخيرة، وهي الديبلوماسية التي تستند إلى نوع من القوة والحزم في التعاطي مع الملفات والأحداث، بخلاف ما كان يحصل في الماضي.

وأفاد المحلل ذاته، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، بأن المغرب تصرف إزاء سلسلة أزماته الدبلوماسية مع فرنسا، بنهج طرق الاحتجاج المعروفة، التي لا تخرج عن تبليغ التنديد عبر القنوات الرسمية، أو استدعاء السفير الفرنسي، وهو ما حدث في واقعة ملاحقة مدير الاستخبارات المغربية، وحالة "الاعتداء" على الجنرال المغربي الذي يتابع علاجه في مستشفى فرنسي.

ويرى مراقبون أنه على الرغم من كل هذه التوترات، والتي بدا فيها المغرب مضطراً للاحتجاج على "صديقته" فرنسا، فإن الثابت في هذه العلاقات أن البلدين تجمعهما مصالح اقتصادية، وسياسية، مشتركة ومتشابكة، لا يمكن التفريط بها، وبأن ما حدث لن يعدو سحابة صيف عابرة.

القراءة السياسية السابقة، للعلاقات "الوطيدة" بين البلدين، لا تتفق مع ما يعتبره البعض محاولة من الدبلوماسية المغربية الرهان، في الفترة الحالية، على علاقات الرباط بمدريد، أكثر من باريس، فضلاً عن توجه المملكة إلى إرساء التعاون الاقتصادي مع ألمانيا، إلى حد إعلان وزير الخارجية المغربي، صلاح الدين مزوار، أخيراً، أن المملكة تطمح إلى وضع ألمانيا على رأس لائحة شركائها الاقتصاديين.

ويُرتقب أن تجتمع اللجنة الاقتصادية الألمانية ـ المغربية، في شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، من أجل التوقيع على اتفاقية شراكة اقتصادية متعددة المجالات، وهو ما قرأه مراقبون بأنه مؤشر على أن الرباط تعتزم إدخال تغييرات استراتيجية بخصوص تحالفاتها التقليدية، التي تبوأت فيها فرنسا مكانة الصدارة إلى وقت قريب.

دلالات