أزمات الجزائر تنذر بانفجار مجتمعي

30 ديسمبر 2014
مواجهات بين مواطنين والشرطة خلال احتجاجات سابقة بالجزائر(فرانس برس)
+ الخط -
لا تكفّ الحكومة في الجزائر عن طمأنة الرأي العام بشأن عدم وجود تداعيات عميقة على الشق الاجتماعي والاقتصادي للبلاد، جراء انهيار أسعار النفط.
غير أن الساحة الجزائرية تسجل مؤشرات ومعطيات تعكس احتقانا داخل المجتمع الجزائري، يمكن ملاحظته في الإضرابات والاحتجاجات المتتالية، لأسباب مختلفة، منها البطالة والسكن والأجور المتدنية.
وفضلا عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي قد تساهم في انفجار المجتمع الجزائري، تأتي الأزمة السياسية التي نتجت عن الجمود الذي تعرفه البلاد منذ سنوات والتناطح السياسي بين السلطة والمعارضة، وغياب مؤشرات توجه سياسي سليم في المستقبل.
ومثلما يسيطر هاجس أزمة عام 1986 الخانقة في الجزائر، والتي أدت إلى انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 1988، يسيطر هاجس الخوف من ردة الشارع على السلطة، وهو الذي دفع الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة إلى تكليف الحكومة والإعلام بطمأنة الرأي العام بشأن آثار الأزمة النفطية على الاقتصاد الوطني وآليات مواجهتها.
وتعتمد الجزائر على إيراداتها النفطية في تمويل أكثر من 90% من مصروفاتها.
وعقد الرئيس بوتفليقة، الأسبوع الماضي، مجلسا مصغرا مع الحكومة، بهدف إطلاع المواطنين على هذه الأزمة النفطية، وبعث رسائل تعزز ثقة المواطنين في الحكومة وقدراتها على مواجهة الآثار السلبية لانخفاض إيرادات الصادرات على الاقتصاد الوطني، جراء الانهيار الكبير في أسعار النفط.

وإلى جانب انهيار أسعار النفط بأكثر من 48% في الأشهر الستة الماضية، تُشير تقارير عالمية إلى أن حصة صادرات الجزائر من النفط ستتراجع خلال العام المقبل 2015، بفعل التخمة في المعروض التي تُغرق الأسواق العالمية، والتي يقدرها مراقبون بأكثر من 1.5 مليون برميل يوميا.
وتوقع صندوق النقد الدولي، منتصف ديسمبر/كانون الأول الجاري، أن تتراجع صادرات الجزائر النفطية إلى 58.8 مليار دولار العام الجاري، بنسبة تراجع تبلغ 7.2%، مرجعاً السبب إلى انخفاض أسعار النفط والغاز في السوق العالمية.
وبلغت صادرات الجزائر من النفط نحو 96.7% من إجمالي الصادرات عام 2013، بقيمة إجمالية تبلغ 63.7 مليار دولار، مقابل 69.8 مليار دولار في 2012، بانخفاض نسبته 8.6%.
وبخلاف كل التصريحات الرسمية الصادرة عن الحكومة الجزائرية، فإن الرئيس بوتفليقة اعترف صراحة بأن "الانهيار الكبير في أسعار النفط الخام على مستوى السوق الدولية، سيؤدي إلى انخفاض إيرادات الجزائر، وبالتالي التأثير المباشر على موازنة البلاد لعام 2015.
وبالنسبة للرئيس بوتفليقة فإن "هذه الوضعية تعتبر غير مسبوقة بالنسبة للاقتصاد الوطني الذي تعد المحروقات أول مصدر له". وتقل قيمة صادرات الجزائر من السلع غير النفطية، عن الملياري دولار سنويا.
وتشير تقارير أعدها خبراء اقتصاديون في الجزائر، إلى أن احتياطات النقد الأجنبي الكبيرة التي يمتلكها المصرف المركزي، تضمن بطبيعة الحال وضعية مالية مريحة بالنسبة للاقتصاد الوطني، ولكن ليس للأبد. وهو ما دفع الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة إلى "طمأنة المواطنين بشأن الإجراءات التي ستتخذها الدولة لمواجهة الآثار السلبية لهذه الأزمة الظرفية".
وسجل احتياطي النقد الأجنبي لدى الجزائر نحو 193.2 مليار دولار بنهاية النصف الأول من العام الجاري 2014.
وتطالب الحكومة الجزائرية، المواطنين بترشيد استهلاك السلع المدعمة من طرف الدولة، خاصة الخبز والدقيق والزيت، وكذا استهلاك الطاقة الكهربائية والوقود والماء وحتى الأدوية، في مسعى لترشيد الإنفاق العام وتقليص فاتورة الواردات للحفاظ على الاحتياطي الاستراتيجي من العملة الصعبة، في ظل غموض سوق النفط.
وتجاوزت فاتورة واردات الجزائر من الحبوب، خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري، ملياري دولار، فيما بلغت فاتورة الأدوية 1.65 مليار دولار في ذات الفترة، وفق بيانات حكومية.

ورغم الوضعية المالية الجيدة التي أكد عليها رئيس الحكومة عبدالمالك سلال، قبل أيام، إلا أن هذا لم يمنعه من اتخاذ إجراءات تقشفية.
وقال سلال، إن الجزائر لا تعيش في ظروف صعبة، حيث إنه ليست لديها مديونية خارجية، وليست في نفس الأوضاع التي كانت عليها خلال سنة 1986.
وأكد أن احتياطي النقد الأجنبي يمكّن الحكومة من تغطية وارداتها لنحو 5 سنوات، فضلا عن قدرات مالية أخرى يوفرها صندوق ضبط العائدات، لكنه أعلن عن سلسلة قرارات جريئة، تتعلق بوقف استيراد المواد الكمالية غير الضرورية؛ تجنبا لإهدار احتياطات العملة الصعبة. كما قررت الحكومة وقف التوظيف في الإدارات الحكومية، وإلغاء عدد كبير من الاحتفاليات والمؤتمرات، التي كانت مقررة السنة المقبلة في الجزائر.
ولم تجد الأحزاب السياسية بالجزائر، في هذه القرارات سوى هروب من الأزمة ولا يرقى إلى المواجهة والتعامل معها.
وقالت زعيمة حزب العمال، لويزة حنون: "هذه الإجراءات غير كافية، يجب أن تكون أكثر جرأة"، مطالبة بإنشاء وزارة للتخطيط من أجل وضع المشاريع قصيرة وطويلة المدى.
ودعت حركة النهضة المعارضة، الحكومة إلى الإبقاء على خطط تنفيذ المشاريع الكبرى في منطقة الجنوب، التي تعاني تهميشا منذ سنوات، أدى إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية والمعيشية هناك، خاصة على مستوى البطالة.
وقال حزب "جيل جديد" المعارض، إن مخاوف الحكومة من انهيار أسعار النفط سببه فشلها في تحقيق أي إنعاش اقتصادي لقطاعات الزراعة والصناعة والإنتاج المحلي، في مقابل الاكتفاء بالاعتماد الكلي على عائدات النفط، خاصة أن الاحتياطات المالية للبلاد لا يمكن أن تقيها من الأزمة إلا لسنوات قليلة فقط.
وحذرت حركة "مجتمع السلم" من تداعيات إعلان الحكومة وقف التوظيف، ما يؤهل الشارع الجزائري لمظاهرات واحتجاجات واسعة من قبل الشباب العاطل عن العمل.
ويبلغ معدل البطالة في الجزائر، نحو 9.8% من إجمالي القوى العاملة، وهي نسبة تعادل نحو 1.15 مليون شخص.
المساهمون