أرواح فلسطينية

02 ديسمبر 2015

نصر الله: في كل إنسان قمة عليه أن يصعدها

+ الخط -

إذا كنا نبحث عن بعض التفاؤل والبهجة، في هذا الزمن الذي أصبح فيه الفرح عصياً، علينا أن نرتحل مع الروائي والشاعر الفلسطيني، إبراهيم نصر الله، عبر روايته "أرواح كلمينجارو"، لنتتبع مغامرةً ـ خرج فيها نصر الله ضمن مجموعة متطوعين عرب وأجانب، وثلاثة صبية من فلسطين بأطراف صناعية، وقرّروا أن يتسلقوا رابع أعلى قمة في العالم، جبل "كلمينجارو"، والذي ألهم البلد التي يقع فيه، تنزانيا، الطريق إلى الحرية، فكان أول بلد أفريقي يتحرر من الاستعمار، فصاغ الكاتب رواية مفعمة بالإرادة والتحدّي، تذكّرنا بروايات المغامرات والمطاردات التي قرأناها في صبانا. وقد استهل نصر الله روايته بعبارة "في كل إنسان قمة عليه أن يصعدها، وإلا بقيَ في القاع، مهما صعد من قمم". وهذه القمة لم تعثر عليها بطلة رواية "آثار في الرمال" ليوسف السباعي، والتي ظلت حبيسة إعاقتها، وزاد إحباطها، بسبب شاب أحبها، وهو لا يعرف أن الحسناء التي تقرأ كتاباً على الشاطئ فتاة كسيحة، فأنكر، في ثرثرةٍ عابرة معها، على ذوي الإعاقة حقهم في الحياة الطبيعية، وبأن عليهم ألا يكونوا عالةً على من حولهم، فجرت بجسدها نحو البحر، وانتحرت غرقاً.

رصدت رواية السباعي واقعاً مؤلماً، أما رواية نصر الله فتوجه رسالة أمل لكل معاق فلسطيني، بأن يردد دوماً نشيد أمثاله ممن تسلقوا الجبل العملاق، حيث أنشدوا بكل قوة: كلما انطفأت شمعة نشتعل، ويناشد، في غير مباشرة، الآخرين، أن يقفوا بجواره، ويساندوه، لأن هؤلاء أصبحوا شريحة قابلة للزيادة، حيث تمثل ما نسبته 2.7% من المجتمع الفلسطيني، وهم ضحايا القمع الإسرائيلي، إضافة إلى من ولدوا بإعاقات خلقية، أو أصيبوا بها في حوادث مختلفة، لكنهم لا يحصلون على حقوقهم التي أقرّها قانون حماية المعاق رقم 4 لعام 1999، وشرّع من أجل حماية المعاق من التمييز السلبي ضده، وتوفير المواءمة البيئية لصالحه، ودمجه في المؤسسات الحكومية والخاصة، حيث ذكرت إحصاءاتٌ، أجراها الإحصاء الفلسطيني، أن أهم المشكلات التي يعاني منها المعاق عدم القدرة على إكمال تعليمه، وصعوبة التنقل في المواصلات العامة، والقيام بنشاطاته البيتية وتجنبه الاندماج بالآخرين، بسبب نظرتهم له، علماً أن نحو 10% من مصابي العدوان على غزة، في صيف العام الماضي، قد تحولوا إلى مصابين بإعاقة واحدة على الأقل.

وإذا كان علينا أن نخص المعاقين في المجتمع الفلسطيني، بسبب الاحتلال الإسرائيلي، بالرعاية والاهتمام، فهم أصبحوا حبيسي الكراسي المتحركة، من أجل حرية وطنهم وشعبهم وكرامتهما. وعلينا أن نضع نصب أعيننا حجم جريمة إسرائيل بحقهم، لكي ندرك أنهم ليسوا الحلقة الأضعف في المجتمع، بل هم تاج الفخار والعزة، فسلاح إسرائيل ضدهم الأخطر في أنواع الأسلحة، وهو الرصاص المتفجر المحرّم دولياً، وما زالت ماضية في استخدامه لقمع شباب هبة القدس الحالية، ويتعمد جنودها إطلاقه نحو الجزء العلوي من أجسادهم، لكي يبقى من تصيبه الرصاصة، ولم تقتله على الفور، معاقاً مدى حياته، بسبب تشظيها في الجسد، بهدف إيقاع أكبر ضرر فيه. وهذا الرصاص، واسمه "رصاص دوم دوم"، استخدمه أندرس بريفيك في مجزرة في النرويج، ثم بدأت إسرائيل في استخدامه ضد الفلسطينيين، لأنها تعرف أن من يصاب به، هو والميت سواء، فلن يقذف حجراً أو يطعن بسكين، أو يلقي زجاجة مولوتوف نحو جنودها، بل سيتحول إلى معاق في بيت ذويه الفقراء العاجزين عن توفير الرعاية الطبية له، وسيتمنى الموت ألف مرة أفضل من هذا المصير البائس.

في مستشفى حكومي، كان أحد الفتية يصرخ من ألم شديد في ساقه، بعد إصابتها برصاصة متفجرة في أثناء المواجهات مع الاحتلال شرق غزة، حيث خرج مع رفاقه ليتضامن مع شباب القدس، فصرخ به والده، لكي يسكت قائلاً: إنْ لم تسكت، سأنادي الطبيب ليبتر ساقك.

 

سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.