أرذل العمر.. عمر الانتظار

06 ديسمبر 2014
تعيش وحيدة (Getty)
+ الخط -
تعريف الرذالة في لغتنا العربية هو للتحقير. الحقير هنا هو عمر الانتظار، عمر جداتنا وأجدادنا. تعيش أم هاني عامها الـ81 وحيدة. تتقيد تماماً بوصفة الطبيب وتوقيت الدواء. تجمع حبات الأدوية في وعاء بلاستيكي ملوّن، دوّنت عليه الأيام والأوقات. تنبعث من منزلها رائحة تبغ أصفهاني عتيق. اكتشفت أم هاني قناة تلفزيونية تبث الأفلام المصرية القديمة على مدار الساعة. تنتظر فيلم الساعة الخامسة بعد أن تنهي أعمال المنزل وجولاتها الصباحية. أعمالها المنزليّة عبارة عن الطبخ وتنظيف الحمام والقليل من تلميع الزجاج.

لا تطبخ أم هاني لأحد. تطهو فقط لأنها تحب ذلك. تتذوق طعامها وتتنهد قائلة: "الله يا أم هاني، تسلم إيديكي". انقطاع الكهرباء يجبر العجوز ذات البصر الضعيف على تجميد كل الأعمال. لكنّها تلتف على المشكلة. تفتح باب المنزل وتضع كرسيها وتجلس مراقبة حركة درج المبنى. تستوقف كل مارٍّ أمامها، تطلب من شاب رفع جالون المياه، وآخر وضع القدر الكبير على الغاز، ومن أخرى مساعدتها على تحريك الرز. ينهي سكان العمارة عمل أم هاني، بينما تجلس لتنفث دخان نارجيلتها بهدوء وبابتسامة مصحوبة بالرضى.

يبلغ أبو محمود الـ79 من العمر. الحاج الذي تخلّص من مرض أصاب ظهره بحدبة كبيرة، قصد البيت الحرام أربع مرات. اشترى هاتفاً ذكياً وقام بتصوير نفسه خلال رحلة للعمرة. لم يحسن سحب الفيديو من الهاتف بعد تصويره. يقصد يومياً جاره ويسأله المساعدة في تشغيل المشهد. يجلس على كرسي في المقهى المجاور ويشاهد رحلته ويبكي. الحدبة التي أصابته في ظهره اختفت، كما يقول، بفعل إيمانه ولجوئه إلى البيت الحرام. يحلم بزيارة جديدة للحرم.

من بلغ أرذل العمر لا يحلم. يغلق العجوز هاتفه ويبتسم على أمل زيارة جديدة. من بلغ أرذل العمر لا يبتسم لأمل. قرب الحي الذي يعيش فيه العجوزان، مركز لتأهيل المدمنين على المخدرات. شباب لم يبلغوا الـ25 أدمنوا السموم البيضاء. منهم من حاول الانتحار، وآخرون تخطّوا العلاج بنجاح. لكن بين أم هاني وأبو محمود وبينهم، تعريف جديد لأرذل العمر.
المساهمون