أردنيون في زنازين الأسد.. مصير غامض في السجون السورية

20 مايو 2015
أهالي المعتقلين الأردنيين في السجون السورية يواصلون البحث عنهم
+ الخط -
في مطار دمشق أُوقف الشاب الأردني محمد العودة، بعدَ زيارةٍ إلى سورية رفقة زوجته، نظر إليه ضابط الجوازات بريبةٍ وتمعن، ثم ختم على جواز سفر زوجته بالمغادرة، لتمضي الزوجة، فيما سيقَ هو في ردهات الصالة إلى مكتب أحد الضباط المسؤولين.

لم يمضِ وقت طويل حتى زجَّ بمحمد العشريني في السجن، مكث محمد في السجن أسبوعين من دون أن يعرف السبب، إلى أن تقصى ضابط الأمر، فتبين له أن تشابه الأسماء السبب وراء الاعتقال.

ما وقع لمحمد، يدخل في باب حسن الحظ، وجعله يصف الأمر "بشهادة ميلاد جديدة، كتبت له الخروج سالما من جمهورية الخوف"؛ إذ يعود تاريخ اعتقال بعض الأردنيين المختفين في سورية إلى عام 1970، ومن بين هؤلاء حاكم الفايز، وضافي الجمعاني، اللذان تم إطلاق سراحهما عام 1993 بعد ما يزيد على 23 عاماً من الاعتقال في سجن المزة العسكري.

مرحلة خطرة

في سورية ما قبل الثورة، تعرض الأردنيون إلى الاعتقال لانتمائهم إلى تيارات سياسية لا تنسجم في رؤيتها مع أطروحات النظام. يؤكد في هذا السياق رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان ومناهضة التعذيب في الأردن، المحامي عبد الكريم الشريدة "إن الجزء الأكبر من المعتقلين الأردنيين، كانوا يقيمون في سورية، وتم اعتقالهم بسبب انتماءاتهم إلى فصائل فلسطينية، أما القسم الثاني فهم من الأردنيين الذين يحملون أفكاراً سياسية معارضة للنظام السياسي السوري، منهم حاكم الفايز، وشفيق جميعان، أما وفاء عبيدات، وشقيقها هاني، فما زالا مفقودين ومجهولاً مصيرهما".

وكشف المحامي المختص في هذا الملف أن عدد المعتقلين والمفقودين الأردنيين في المرحلة الأولى، بلغ نحو 278 شخصاً، من بينهم من عرف وجوده في سجون صيدنايا وتدمر والمزة، فيما يغيب إحصاء دقيق لعدد المفقودين في مرحلة ما بعد الثورة السورية.

من التحديات التي تواجه هذا الملف، عدم استجابة الحكومة الأردنية مع بعض المعتقلين، إذ يكشف عبد الكريم الشريدة عن إغلاق ملف بعضهم، بحجة أن هؤلاء لم يعودوا من حملة الجنسية الأردنية بعد التحاقهم بالفصائل الفلسطينية.

مجرد وشايات

الدكتور أحمد أبو مطر، المحلل السياسي وأحد شهود المرحلة السورية في القرن الماضي، يشير إلى أن أغلب الاعتقالات في صفوف الأردنيين كانت لمجرد وشايات من عناصر بعثية ومخابراتية، وأن المعتقلين لا يحالون إلى المحاكم والقضاء، متسائلا: "ما ذنب هاني ووفاء عبيدات اللذين اعتقلا عام 1986، أثناء دراستهما طب الأسنان، ومثلهما الكثير".

إنكار النظام السوري وجود معتقلين أردنيين لديه، تكذبه التجربة، ومثال ذلك ما حصل مع المعتقل الأردني حافظ أبو عصبة الذي مكث نحو 21 عاماً، وتم الإفراج عنه بعد ذلك. ولدى مقابلة المنظمة العربية لحقوق الإنسان ومناهضة التعذيب لأبو عصبة، تحدث عن وحشية النظام في التعذيب، وكشف أنه خضع خلال اعتقاله لعمليتين جراحيتين من دون موافقته، الأولى سحب خلالها النخاع الشوكي منه، وكذلك أخذت كليته لشخص آخر لا يعرفه. كما شهد على تصفية ستة أردنيين رمياً بالرصاص أمام عينيه داخل سجن صيدنايا.

يتفق الدكتور أبو مطر مع الطرح السابق، قائلا "يمنح النظام السوري معتقليه أسماء جديدةً، فور اعتقالهم، وهذه وسيلته للتحايل على بعض المنظمات الدولية، التي لا تجدُ أثراً في قائمة الأسماء الرسمية للسجون، فيطوى بذلك الملف، علاوةً على الأسماء الوهمية التي تعطى للمعتقل.

عصا سحرية

تعد الرشوةً عصا سحرية، يتم من خلالها فك أسر المُعتقل لدى النظام السوري، وحول هذا يشير أبو مطر إلى قصته مع العقيد محمود بنورة، أحد ضباط فرع فلسطين في سورية، إذ طلب منه أبو مطر مساعدته للإفراج عن أحد المعتقلين الأردنيين، ينتمي لعشيرة الحمايدة، فقال له الضابط حرفيا: ادفع بسرعة عشرة آلاف دولار كي أفرج عنه، فاسمه رقم 3 على قائمة من سيقتلون خلال الأسبوع المقبل! وهذا ما تمّ، إذ استلمَ بنورة المبلغ المحدد، وبعد يومين أفرج عن الحمايدة مع رسالة لمكتب المخابرات في حدود درعا تفيد بإنهاء ملفه والسماح له بالعودة إلى بلده.

ويعتقد أبو مطر، واستناداً إلى معلومات من مصادر لبنانية، أن النظام السوري، قتل أغلب المعتقلين العرب لديه، وذلك رغبةً منه في التخلص من تكاليف سجنهم، وعبء وجودهم، مشيراً إلى أن الفلتان الأمني في السنوات الأربع الأخيرة، شكل الفرصة الذهبية، لإلصاق تهمة قتلهم، بهجمات المعارضة على السجون، قائلا "قبل أيام قتل النظام عشرات المعتقلين في سجون إدلب عند فرار قواته منها".

ويؤكد فرضيته، وليد سفور، رئيس اللجنة السورية لحقوق الإنسان، الذي أشار لـ "العربي الجديد" إلى أن ملف المعتقلين الأردنيين منذ عقد الثمانينيات أقفلته السلطات السورية وأهملته السلطات الأردنية. وأعتقد أن المعتقلين الأردنيين الذين لم يكتب لهم الخروج من السجون السورية قد قضوا فيها".

مخاوف الأهالي

محمود الأرمنازي الناشط في اللجنة السورية لحقوق الإنسان، يؤكد أن الرقم الكلي للمعتقلين السياسيين الأردنيين المُوَثقين في سورية قبل عام 2011 لم يكن يتجاوز 250 معتقلاً.

ويتابع في حديثه لـ "العربي الجديد" أن العديد من أهالي المعتقلين الأردنيين لم يكن يرغب بتوثيق اعتقال ابنه، كي لا يضر بالمحاولات التي يقوم بها مع أنصار النظام السوري في الأردن، ويؤكد أن اللجنة وثقت في عام 2008 حالة والد أحد المعتقلين في سورية، الذي قام بدفع مبالغ متتالية لقيادي في حزب البعث الأردني والذي يرتبط بعلاقة تنظيمية مباشرة بالبعث السوري، على أمل فك قيد ابنه وتحريره.


وبحسب الأرمنازي، فإن هذا القيادي كان يطلب هذه الأموال بحجة تمريرها لضباط في داخل سورية، من أجل الإفراج عن المعتقل الذي زج به في السجون منذ النصف الثاني من الثمانينيات، ولم يُفرج عنه حتى الآن، بحسب معلومات اللجنة، فيما لم يكن لدى الأب رغبة بنشر أي معلومة عن ابنه، بناء على تعليمات القيادي البعثي الأردني، الذي تتحفظ "العربي الجديد" على اسمه، إذ كان يقول دائماً لوالد الشاب المعتقل: "بدك العنب ولا بدك تقاتل الناطور!"، أي أن الحديث والنشر في هذا الموضوع لن يساهم في إخراج المعتقل.

ويؤكد الأرمنازي، أن عدد المعتقلين الأردنيين قد زاد خلال السنوات الأربع الماضية، ولكن لا توجد أي إحصائية محدثة، لعدم اهتمام الجهات المعنية بالأمر. ويخشى معظم أهالي المعتقلين من الحديث عن موضوع الاعتقال كي لا يتم الانتقام من أبنائهم بقتلهم، موضحاً أن معظم الأحياء منهم، موجودون حاليا في سجن صيدنايا إلى الآن.

وحول المفرج عنهم من السجون السورية، يقول المسؤول في اللجنة السورية" يوجد عدد من الأردنيين الذين تم الإفراج عنهم في السنوات الأخيرة قبل عام 2010، ولم يتم توثيق معظمهم، لعدم رغبة الأهالي في الحديث".

لا معلومات دقيقة لدى الأردن

"العربي الجديد" توجهت إلى البرلمان الأردني، لتستفسرَ منهُ حول الأمر. أكد نائب برلماني، رفض ذكر اسمه، أنه تواصل مع وزارة الخارجية الأردنية، والتي أكدت أن المعلومات المتوافرة لديها حول الملف قاصرة وغير دقيقة، والسبب في ذلك، يعود إلى عدم وجود طرف رسمي سوري يتعاون معها في ملفات كهذه، كما أكدت الخارجية أن أرقام المعتقلين الأردنيين في السجون السورية غير متوافرة ومصيرهم إلى الآن غير معلوم. وفي المقابل؛ قال النائب الأردني إن معلوماته الخاصة تفيد بأن عدد الأردنيين المعتقلين يقارب 350 شخصاً.

ثمة أملٌ

علي أبو دهن، المعتقل اللبناني السابق في سجن تدمر العسكري، ولاحقا في سجن صيدنايا، خلال الفترة الممتدة من عام 1987 وحتى عام 2000، قال لـ "العربي الجديد" إن الأمل ما يزال يحدوهُ، في أن يكونَ المعتقلين العرب ومن بينهم الأردنيين على قيد الحياة، موضحاً أن هذا الملف لا يُحل إلا برحيل النظام، وحول مصير المعتقلين، يقول: "الأعمار بيدِ الله".

ويتابع أبو دهن، رئيس جمعية المعتقلين اللبنانيين، حديثهُ قائلا: الظرف الراهن عقَّد من ملف المعتقلين، إذ لا معلومات حولهم، كما أن السجون التي تخرج عن سيطرة النظام، لم يفر منها أي معتقل إلى الآن، ولم يسمع هو من قبل بفرار أحد من المعتقلين العرب. ويشير أبو دهن إلى أن التهم التي وجهت إلى المعتقلين العرب ملفقة وجاهزة، ولا تستند إلى أدلة، وغالباً ما تكون بتهمة "العمالة لإسرائيل"، أو "العمل في تنظيم مناهضٍ للنظام".

أبو دهن اعتقل أثناء زيارة له إلى سورية، في عام 1987، ووقع على اعترافات مكتوبة تحت التعذيب الشديد والصعق بالكهرباء. ثم نقل إلى فرع فلسطين، ومنه إلى فرع التحقيق العسكري، لينقل بعدها إلى تدمر، وفي آخر المطاف إلى صيدنايا، بعد وفاة حافظ الأسد رأى النور، وفي هذا الصدد يقول: مات الأب فخرجنا بشروط صعبة، تفرض علينا ألا نتكلم (لا صحافة ولا حديث إلا الشكر والإكبار لسورية الأسد)، مشيراً إلى أنه خرج بعد 13 سنة من الاعتقال، وأن السلطات السورية نسيت تهمته! وفي المقابل كما يقول "هنالك من يقضي عقوبةً بالسجن تزيد عن المدة المحكوم بها، وفي هذا حدّث ولا حرج".

-------
اقرأ أيضا:
السوريون في الأردن..رعب "الرمي على الحدود" يطارد اللاجئين وأطفالهم
ثقافة الخوف تدمّر ضحايا التحرش الجنسي في الأردن
برد الزنازين العربية 4.. صقيع الجويدة الأردني "يجفف العظم"
الجهاديون الأردنيون.. التحوّل من "النصرة" إلى "داعش"
دلالات