أربعة محاور لترشيق الدبلوماسية التركية: تغييرات تبدأ من منبج

02 يونيو 2016
استعدادات جديدة لتحرير الرقة بدعم أميركي-تركي (فراس فهام/ الأناضول)
+ الخط -
تبدو معركة منبج التي بدأتها "قوات سورية الديمقراطية"، بدعم من طيران التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، من أولى علامات التغيير في السياسة الخارجية التركية، والذي تحدث عنه، أمس الأربعاء، نائب رئيس الوزراء التركي، المتحدث باسم الحكومة، نعمان كورتولموش، خلال لقائه مع الصحافيين. وأكد كورتولموش، أمس "أنه بات من الضروري إجراء تغييرات في السياسة الخارجية لتركيا على أربعة محاور، من ضمنها وأهمها المحور السوري - العراقي، إضافةً إلى كل من الاتحاد الأوروبي، وإسرائيل وروسيا".

لا يتعلق الأمر بتغيير كبير في استراتيجية وأهداف الدبلوماسية التركية بقدر ما يتعلق بـ"ترشيق" لهذه الاستراتيجية، عبر اعتماد تكتيكات مرحلية يمكن وصفها بأنها أكثر "نعومة" وأقل "صدامية"، الأمر الذي أشار إليه كورتولموش، قائلاً: "بات من الضروري جداً إجراء تغييرات في بعض التطبيقات التي كنا نقوم بها في السابق. إن العالم بأسره دخل في مرحلة صراع كبيرة. نحن، وإنْ أردنا، لا نملك القوة الكافية لحل المشاكل جميعها، ما علينا القيام به هو تخفيف الصراع في مناطق النزاع المحيطة بتركيا. على تركيا أن تخفف، على الأقل، الجانب الخاص بها، والمتعلق فيها من النزاعات التي تشكل فيها طرفاً".

وتابع كورتولموش: "على السياسة الخارجية أن تتخذ خطوات جديدة في محاور أربعة"، أبرزها المحور السوري، إذ أشار إلى أن "تركيا تقدم دعماً لعملية تشارك فيها جميع طوائف الشعب السوري. لعملية تمكنهم من التعبير عن أنفسهم".
وفي ما يتعلق بالعراق، قال نائب رئيس الوزراء التركي "نفضل تحسين العلاقات بين الحكومة المركزية، وبين إدارة الشمال"، قبل أن يؤكد أن أنقرة تتمنى "تحسين العلاقات التي ساءت مع روسيا بعيد إسقاط مقاتلتها من قبل القوات المسلحة التركية". وتعتزم الدبلوماسية التركية إعادة النظر أيضاً في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، إذ لفت كورتولموش إلى "ضرورة الوصول إلى نتائج إيجابية في ما يخص مشاورات تركيا مع الاتحاد الأوروبي المتعلقة برفع التأشيرة عن المواطنين الأتراك". وقال إن "موضوع رفع التأشيرة سيؤثر بشكل جاد على السياسة الخارجية التركية". ويأتي أخيراً ملف تطبيع العلاقات مع إسرائيل، إذ قال المسؤول التركي "في هذا الخصوص إن موقفنا واضح في ما يتعلق برفع الحصار، أو تخفيف الحصار، أو تقليل الحصار، إن موقفنا وإصرارنا في هذا الصدد ثابت".

وساهمت عودة العلاقات التركية-الإماراتية وكذلك التحرك الذي أجراه وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي خلال اللقاءات التي تم عقدها مع الخارجية الروسية في موسكو، قبل أيام، في توفير ظروف ملائمة للقيام بهذا الترشيق الذي طاول السياسة السورية لتركيا تحديداً.
وبدأت بوادر هذا الترشيق تجاه الوضع السوري على محورين؛ المحور الأول، على مستوى وفد "الهيئة العليا للمفاوضات"، المعارضة، ذلك أنه بعد استقالة كبير المفاوضين في الهيئة، محمد علوش، تدور الأحاديث عن إمكانية ضم عدد من أطراف المعارضة الأخرى للهيئة، منها مؤتمر القاهرة والأستانة وموسكو، باستثناء حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني)، وكذلك ضم ممثل عن مؤتمر موسكو إلى الوفد المفاوض، وزيادة تمثيل فصائل الجبهة الجنوبية في الوفد المفاوض، والمدعومة من غرفة عمليات "الموك"، المتواجدة في العاصمة الأردنية عمّان، والتي يتم الإشراف عليها من قبل كل من المخابرات الإماراتية والسعودية والأردنية والأميركية.

أما المحور الثاني، فهو المحور العسكري، حيث بدأت، أول من أمس (الثلاثاء)، عملية السيطرة على منبج وانتزاعها من يد قوات تنظيم "داعش"، بمشاركة "قوات سورية الديمقراطية" وبدعم من التحالف الدولي، سواء جواً أو عبر تواجد المستشارين العسكريين الأميركيين على الأرض.


وبينما أفاد مصدر عسكري تركي، أمس الأربعاء، لوكالة "رويترز"، بأن تركيا لا تساهم في العملية، نقلت الوكالة نفسها عن مسؤوليين أميركيين قولهم إن عملية إغلاق جيب منبج تلقى دعماً من الحكومة التركية، وأن القوات البرية مكونة بشكل أساسي من العناصر العربية في "قوات سورية الديمقراطية"، وأن نسبة مقاتلي "الاتحاد الديمقراطي" لا تتجاوز خمس أو سدس هذه القوات، والتي ستقوم بدورها بالانسحاب من جيب منبج (التي تعتبر أنقرة سيطرة "الاتحاد الديمقراطي" عليه خطاً أحمر)، بعد تأمينه ليتم تركه للقوات العربية، على أن تدعم تركيا هذه العمليات بالمدفعية.


بالإضافة إلى ذلك، علمت "العربي الجديد"، أن أنقرة وافقت على مشاركة قوات تابعة لـ"تيار الغد السوري"، والذي أسسه الرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض، أحمد الجربا، والمدعوم إماراتياً وروسياً ومصرياً والمتعاون مع قوات "الاتحاد الديمقراطي"، في عملية منبج. وبحسب المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد" أيضاً، فإن تركيا وافقت على المشاركة المحدودة لقوات "الاتحاد الديمقراطي"، على أن يتم ضمان انسحابها في وقت لاحق، وكذلك ضمان عدم حصار منطقة عفرين الخاضعة لسيطرة "الاتحاد" في ريف حلب الغربي. أما الاقتراح التركي بقيام القوات الخاصة التركية الأميركية بعملية مشتركة للسيطرة على منبج، فلا يزال خياراً مطروحاً على الطاولة في حال فشلت العملية الحالية.

وعلمت "العربي الجديد" أن الخطة الموضوعة تتمثل في أن تقوم قوات المعارضة السورية، المتواجدة في كل من أعزاز ومارع، بالسيطرة على القرى والبلدات التي سيطر عليها "داعش" أخيراً، وفك الحصار عن مارع بعد انسحاب "داعش"، على أن تنضم هذه القوات، المدعومة من تركيا والاستخبارات الأميركية، إلى الوحدات العسكرية العربية المتواجدة في إطار "قوات سورية الديمقراطية"، ليتم الإعداد، في وقت لاحق، لمعركة تحرير الرقة، بدعم أميركي-تركي وبغطاء جوي من التحالف الدولي ضد "داعش".

على الرغم من ذلك، بدا عدم الثقة واضحاً في التصريحات التي أدلى بها رئيس هيئة الأركان التركية، الجنرال خلوصي أكار، يوم أول من أمس الثلاثاء، والتي دعا خلالها، بشكل مبطّن، الإدارة الأميركية للإيفاء بوعودها، مشدداً على أن القوات المسلّحة التركية تدعم جميع الاتفاقات التي تساهم في تحقيق السلام في المنطقة والعالم، بالقول: "لا يجب على أحد قط أن ينتظر من قواتنا المسلحة أن تبقى لا مبالية أو أن تسمح للخروقات التي من شأنها أن تدمر الأمن والاستقرار في بلادنا وفي المنطقة. إن قواتنا تدعم جميع الاتفاقات، ولكن لا يجب تناسي الوعود التي تم منحها بموجب هذه الاتفاقات".