أراك في الحرب المقبلة

27 سبتمبر 2014

أميركية سمراء في احتفال بـ"يوم الاستقلال" (Getty)

+ الخط -
إيريك هولدر وإيريك شينسيكي، وزيران سابقان في حكومة الولايات المتحدة، للعدل ولشؤون قدامى المقاتلين. استقال الأول في 25 سبتمبر/أيلول الجاري والثاني في 30 مايو/أيار الماضي. جاءت استقالة هولدر بسبب الأحداث العرقية التي ضربت مدينة فيرغسون في ولاية ميسوري، غداة مقتل شاب أسود على يد شرطي أبيض.

لم يتمكن أول وزير عدل أسود في تاريخ الولايات المتحدة من تحمّل تداعيات ما حصل، فاستقال. أما شينسيكي فسبق أن استقال في مايو، لعدم قدرته على التعامل مع مقتل 40 جندياً سابقاً في ولاية أريزونا، بسبب الإهمال الطبي، على الرغم من إصلاحات برنامج الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الذي ارتقى عبره إلى سدة الرئاسة في نوفمبر/تشرين الثاني 2008: "الرعاية الصحية".

لا تتعلّق القضية باستقالة من هنا أو أخرى من هناك، بقدر ما تتعلّق بمبدأ ديمقراطي عام. فبعضهم لا يزال ينظر إلى الولايات المتحدة على اعتبار أنها "قائدة العالم"، في ظلّ ضجيج دول البريكس، والكلام عن عالم متعدد الأقطاب، غير أنه، وفي كل مرة، نترقّب فيها فعلاً أميركياً، أو ردّ فعل أميركي، أو ننتظر الأميركيين، لكي نقوم بعكس ما يقومون به، نكون كرّسنا أكثر فأكثر أولوية القيادة الأميركية للعالم، خصوصاً إذا ما كنّا نستمتع بالبرغر الأميركي والأفلام الأميركية والتصرّف الأميركي، في كل سانحة من يومياتنا.

الآن، لو كان هولدر أو شينسيكي عربيين، ماذا كانا ليفعلا؟ أغلب الظنّ أنهما لن يستقيلا من منصبيهما، ولو أن أحداث فيرغسون تطوّرت من مدينة الـ16.06 كيلومتراً مربعاً، وتوسّعت وامتدت إلى كامل الأراضي الأميركية الـ9.629.091 كيلومتر مربع. لن يستقيلا ولو مات 40 ألف جندي سابق بسبب الإهمال الطبي، لا 40، ولا في ولاية واحدة، بل في 50 ولاية. سيتخذ أمثال هولدر وشينسيكي مواقف عدة، وسيُصعّدان، فـ"رجولتهما المشرقية لا تسمح لهما بالتنازل".

سيُصاب أمثال هولدر وشينسيكي في بلادنا العربية بـ"عقدة الاضطهاد"، وسيحاولان الظهور بمظهر المُعتدى عليهما، وسيسعيان إلى حرف الأنظار عنهما إلى من هو تحت سلطتهما، أكان شركة ما أم شخصاً أم مجموعة أشخاص. وفي الحالات الأكثر تطرّفاً، سيستعينان بعشائرهما وقبائلهما وأقاربهما، لدرء "الخطر الشعبي" عنهما.

وإذا كانا من أصحاب نفوذ وقوى فعلية، ميدانياً واقتصادياً وسياسياً، وقادرين على تأجيج العواطف القبلية والطائفية والإثنية، فإنهما سيظّلان في منصبيهما، كأهرام مصر وهياكل لبنان، و"قوات الجحيم لن تقوى عليهما". وتذهب البلاد والمجتمع إلى الخراب، وتسود شريعة الغاب، إلى أن يخرج اتفاقٌ ما على وقع الدمّ السائل، يُرضي القتيل ولا يُرضي القاتل، ويستمران في منصبيهما، وكأن شيئاً لم يكن.

ليس في ذلك تجنٍّ، بل واقع ملموس، جرى في أكثر من بلد عربي، وأدّى إلى تكريس حالة رتيبة من العمل الرسمي في مختلف الدول العربية، ومنع تطوّر الفكر المجتمعي العربي، وتخطي الآفاق المصطنعة لمصلحة العقل الأوسع. أين مسؤوليتنا في ذلك؟ إنها تكمن في عدم القبول باستمرارية تلك المفاهيم البائدة، وعدم تصنّع الخوف في مواجهة مستقبلنا.

يكفي النظر إلى واقعنا منذ ما بعد سقوط جدار برلين وانهيار المنظومة الشيوعية. ففي ربع القرن الأخير، انساق الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة، إلى تحديث ديمقراطيته ومحاولة القضاء على العلل الداخلية فيها، ولو لم ينجح بالكامل حتى الآن، لكنه يستمر في المحاولة، بينما ننصرف نحن إلى تعداد ضحايا حروبنا ومذابحنا الخاصة، ومحاولة التنبؤ "في أي بلد عربي آخر ستقع الحرب المقبلة؟". الغرب، وأوله الأميركيون، اعتاد القول بعد كل دورة رياضية، كالألعاب الأولمبية مثلاً: "أراك في الدورة المقبلة" مع ابتسامة جميلة، أما نحن فلا نزال في طور "أراك في الحرب المقبلة يا صاح"، مع استنفار أزليٍّ، اعتدنا عليه أبداً.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".