تتضارب المصالح والأجندات السياسيّة المتصارعة على محافظة نينوى. وترنو أنظار الكثير من الجهات السياسية والمليشياوية نحوها، منتظرة خروجها من سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، لتحقيق فرض سيطرتها على المحافظة في فترة ما بعد التنظيم.
ففي الوقت الذي تسعى فيه جهات سياسية لتقسيم المحافظة، وتحاول أخرى اقتطاع أجزاء منها لضمها إلى مناطق أخرى، وتعمل غيرها على جعلها إقليماً مستقلّا، بدأت جهات مليشياوية العمل، من خلف الكواليس، على تحقيق سطوتها الأمنية والسياسية على نينوى، من خلال تشكيلات عشائرية موصلية، يرتبط قادتها بمليشيا "الحشد الشعبي"، لترتبط الإرادة الشعبية بها، وينشغل الأهالي بأزمات وصراعات داخلية. ويعود سبب سعي عدد من المليشيات الطائفية إلى فرض سيطرتها بشكل غير مباشر على المحافظة من خلال عدد من أبنائها، لعلم قادة المليشيات أنه يستحيل السيطرة على المنطقة، ذات الغالبية العربية السنية، من خلال أذرع "الحشد الشعبي" ذات الصبغة الطائفية الشيعية بشكل مباشر، نظراً للحساسيات المذهبية، لذلك قد يكون من الأذكى والأجدى أن تكون السيطرة غير مباشرة، أي من خلال "حلفاء" من أبناء الموصل. وضع يحلو لكثيرين أن يشبهوه بتجربة "سرايا المقاومة" في لبنان، وقد أسسها "حزب الله" قبل سنوات لتضم مناصرين له من خارج الطائفة الشيعية، بشكل تكون هذه "السرايا" المسلحة والمدربة والممولة من قبل الحزب، يداً ضاربة له في المناطق التي لا يستطيع أن يتواجد فيها بشكل مباشر.
ويحذّر مسؤولون، من خطورة وجود عشرات التشكيلات العشائرية في الموصل، المرتبطة بمليشيا "الحشد الشعبي"، والتي ستكون أذرعاً ضاربة للمليشيات داخل المجتمع الموصلي، والتي انتشرت في غالبية مناطق المحافظة، وحصلت على التمويل والتسليح والتخطيط من قبل تلك المليشيات.
ويقول الشيخ فالح الشمّري، وهو أحد شيوخ عشيرة شمّر في الموصل لـ"العربي الجديد"، إنّ "الموصل، التي عانت وما تزال تعاني الكثير على يد تنظيم داعش، والذي بطش بأهلها، ينتظرها مصير مجهول في ظل صراع الأجندات السياسيّة والأطماع في المحافظة، للسيطرة عليها بعد انتهاء داعش"، مبيناً أنّ "مليشيا الحشد استغلّت إنهاك المحافظة وضعفها، ومحاولتها بكل الطرق للتخلص من داعش، لتنفذ أجندتها الخطيرة فيها". وأوضح أنّه "منذ انطلاق معارك التحرير وقبلها بفترة، بدأت الحشد بتنفيذ أجندتها في المحافظة بشكل غير مباشر، وذلك من خلال تجنيد أبناء المحافظة وعشائرها في تشكيلات عشائرية موالية للحشد، ومموّلة من قبلها، ومرتبطة به ارتباطاً وثيقاً"، مبيناً أنّ "الحشد عمل على تشكيل عشرات التشكيلات العشائرية في المحافظة، لتكون أذرعاً له فيها، ويحرّكها هو من خلف الكواليس".
وأضاف الشمّري أنّ "تلك التشكيلات لم تكن عشائر كاملة، بل هي أجزاء من العديد من العشائر، لتنقسم العشيرة الواحدة على نفسها، ويكون جزء منها مع الحشد، وجزء آخر ضده، في خطوة تهدف إلى تعميق الشرخ المجتمعي داخل الموصل"، مؤكداً أنّ "ما يسمون بسنّة (رئيس الحكومة السابق نوري) المالكي من أعضاء مجلس النواب من الموصل، قاموا بدور كبير في تجنيد العشائر، وتكوين تشكيلات جديدة مرتبطة بهم، وهم مرتبطون بالحشد الشعبي بشكل مباشر". وأشار إلى أنّ "تلك العشائر قاتلت ضدّ تنظيم داعش، وارتكبت انتهاكات واعتقالات بحق أبناء المحافظة، وحصلت وتحصل على سلاح وتدريب وتمويل كامل من قبل مليشيا الحشد الشعبي، وهي اليوم مستمرّة بعملها وانتشارها في مناطق المحافظة تحت مسمّى قوات عشائر الموصل"، مؤكداً أنّ "هذا الأمر ينذر بخطر تفكيك المجتمع الموصلي بعد داعش، وإشعال الفتن العشائرية بين عشائر المحافظة، وحتى بين العشيرة الواحدة".
وأشار الشمّري إلى أنّ "من بين التشكيلات العشائرية الموصلية المرتبطة بالحشد الشعبي، تشكيل النوادر الذي يقوده النائب عبد الرحيم الشمّري، وهو يضم جزءاً من عشائر شمّر، وتشكيل عشائر اللويزيين، الذي يقوده النائب عبد الرحمن اللويزي، وتشكيل الجبور، ويقوده النائب أحمد الجبوري، وتشكيل عشائر الشبك، بقيادة النائب عن دولة القانون، حنين القدو، وتشكيل المسيحيين بقيادة ريان الكلداني، والذي يضم جزءاً من مسيحيي المحافظة، وتشكيل عشائر السبعاويين، وتشكيل عشائر اللهيب، وعشائر البكارة، وعشائر الحمدانيين، وعشائر الراشد، وعشائر العكيدات، وعشائر المعامرة، وعشائر زبيد، وغيرها العديد من التشكيلات المصغّرة". وأكد أنّه "يقابل ذلك، تشكيلات عشائرية لم ترتبط بالحشد الشعبي، ومنعت من المشاركة في معركة الموصل، منها تشكيل أسود نينوى بقيادة النائب أحمد الجربا، وتشكيل كتائب الموصل بقيادة رئيس ائتلاف متحدون، أسامة النجيفي، وتشكيلات عشائرية عديدة من الجبور، والراشد، وزبيد، وغيرها"، مضيفاً أن "تشكيل حرس نينوى، بقيادة المحافظ السابق للموصل، أثيل النجيفي، قد ربط أخيراً بالحشد، بينما منع من المشاركة بمسك الأرض في الساحل الشرقي للموصل".
من جهته، أكد النائب عن محافظة نينوى، أحمد الجربا، "وجود أكثر من 15 ألف مقاتل عشائري حتى الآن، ضمن التشكيلات العشائرية في الموصل". وقال الجربا، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، إنّ "هذه الأعداد تأتي ضمن 45 تشكيلاً عشائرياً داخل المحافظة، غالبيتها مرتبطة بالحشد الشعبي، وقد حصلت العديد من تلك التشكيلات على أسلحة ودعم، بينما لم تحصل تشكيلات أخرى" على أي شيء، مبيناً أنّ "التشكيل الذي أقوده (أسود نينوى) منع من المشاركة في معارك الموصل، وحتى الآن لم يُسمح له بالمشاركة، كما لم يحصل على الدعم والسلاح، في وقت سمح فيه لتشكيلات عشائرية مرتبطة بالحشد المشاركة في المعارك، وحصلت على دعم وسلاح مختلف". وحذّر من "خطورة الدعم السياسي لعشائر الموصل، والتي ستنعكس سلباً على المحافظة، وتكون لها نتائج سلبية على المجتمع الموصلي".
بدوره، رأى الخبير السياسي، إحسان الكيكي، وهو من أهالي الموصل، أنّ "تشكيلات العشائر المرتبطة بالحشد، تتعارض جملة وتفصيلاً مع التشكيلات العشائرية التي شكّلت أساساً لقتال داعش، والتي لم ترتبط بالحشد، الأمر الذي ينذر بخلافات ومشاكل مستقبلية ستقع بينها مستقبلاً". وقال الكيكي، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، إنّ "الصراع على أشدّه بين الجهات السياسية والمليشياوية على الموصل"، مبيناً أنّ "أخطر تلك الجهات هي المليشيات، والتي تمكّنت بمساعدة نواب من المحافظة على تجنيد عشائر في الموصل"، معتبراً أنّ "هدف الحشد هو خلق أذرع لها في المحافظة، وجرّها للانشغال بالفتن والمشاكل الداخلية بعد داعش، لإنهاك المحافظة، وتسهيل انصياعها للحلول التي تملى عليها". وأكد أنّ "الأزمة اليوم عميقة ويصعب تجاوزها، في ظل توغل الحشد، من خلال أذرعه، في المجتمع الموصلي"، داعياً أهالي الموصل إلى "التنبه لهذا الخطر المحدق بالمحافظة".