لم تحصل عفيفة فضالي، المصابة بسرطان الدم على دوائها منذ ثلاثة أسابيع، ليس لقلة ذات اليد وعدم القدرة على دفع ثمن الدواء، بل لفقدانه من أسواق تونس على غرار العديد من الأدوية. تقول عفيفة لـ"العربي الجديد" إنّ طبيبتها المباشرة أعلمتها بفقدان الدواء من السوق منذ مدة، وهي ليست المرة الأولى التي تتخلف فيها عن أخذ دوائها على الرغم من خطورة وضعها.
مشكلة نقص أو فقدان العديد من الأدوية، تؤثر في نحو مليون شخص مريض بأمراض مزمنة، وهي ليست أزمة جديدة، إذ تعجز تونس منذ سنوات عن توفير جميع الأدوية بسبب عجز الصناديق الاجتماعية، ومن بينها الصندوق الوطني للتأمين على المرض، وعدم قدرتها على سداد ديونها للمستشفيات التي لم تدفع بدورها ديونها للصيدلية المركزية.
ويشهد العديد من صيدليات المستشفيات العمومية، بالإضافة إلى مراكز الصحة الأساسية، حالة من الاكتظاظ يومياً للحصول على الأدوية، خصوصاً الفئات الفقيرة غير القادرة على شراء الأدوية من الصيدليات الخاصة، وأغلبهم يعودون من دون الحصول على حاجتهم بسبب فقدان عدّة أنواع من الأدوية في أسواق تونس.
في هذا الإطار، يقول نوفل عميرة، رئيس النقابة العامة لأصحاب الصيدليات الخاصة لـ"العربي الجديد" إنّ "أزمة فقدان الأدوية باتت مقلقة لا سيما أنّها مشكلة تهدّد حياة الآلاف من الأشخاص، خصوصاً أصحاب الأمراض المزمنة". يضيف: "قرابة 300 نوع من الأدوية لا تتوفر في تونس حالياً، أغلبها خاص بالأمراض المزمنة على غرار العديد من أنواع السرطان والسكري والالتهابات، وذلك بسبب عدم قدرة صندوق التأمين على المرض على سداد كامل ديونه للمستشفيات المطالبة بدورها بسداد ديونها للصيدلية المركزية لاقتناء كميات جديدة من الأدوية". يؤكد أنّها "حلقة مترابطة بعضها ببعض، واختلال التوازنات المالية لطرف ما يتسبب في عدم القدرة على شراء أدوية من المختبرات العالمية".
كريمة فرحاني مريضة بالسكري، لم تحصل على دوائها أيضاً منذ أسبوعين بسبب فقدانه في الصيدليات. تشير إلى أنّها تلجأ أحياناً إلى شراء كمية مضاعفة لتفادي مشكلة نقصه في فترات عدة. لكنّها كثيراً ما تقع في مشكلة عدم توفره في العديد من الصيدليات ما يضطرها إلى اللجوء إلى بديل موقت بحسب توجيهات طبيبها المباشر.
العديد من المرضى أو عائلاتهم يلجأون إلى مواقع التواصل الاجتماعي للبحث عن بعض الأدوية التي تفقد في عدّة جهات على أمل إيجادها في صيدليات جهات أخرى. بدوره، يقول لطفي الرياحي، رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، لـ"العربي الجديد" إنّ المنظمة تابعت على مدى السنوات الأخيرة مشكلة نقص الأدوية أو فقدانها في عدّة فترات، لا سيما أدوية بعض الأمراض المزمنة. ويؤكد أنّ "غياب رقمنة الإدارة ساهم في سوء التصرف أو سوء توزيع الأدوية خصوصاً في المستشفيات العمومية، وهو ما أدّى إلى فقدان العديد من الأدوية خصوصاً في المستشفيات العمومية ومراكز الصحة الأساسية". ويشدد على "ضرورة حلّ أزمة إفلاس الصناديق التي لم تلتزم بتعهداتها تجاه الصيدلية المركزية مما تسبب في عدم قدرتها على شراء كميات من أدوية الأمراض المزمنة تفي بحاجة السوق التونسي".
وتتولى مراكز الصحة الأساسية في مختلف الجهات، تسليم عدّة أنواع من الأدوية إلى قرابة مليون مريض بأمراض مزمنة، من بينهم 800 ألف مصاب بالسكري أو ضغط الدم ممن يتابعون أوضاعهم الصحية في المستشفيات العمومية. العديد من الأصوات دعت على مدى السنوات الأخيرة إلى ضرورة زيادة الميزانية المخصصة لوزارة الصحة، خصوصاً ما يرتبط بالصيدلية المركزية التي تعاني من صعوبات مالية ضخمة، نتيجة ديونها المتخلدة بذمة صندوق التأمين على المرض والمستشفيات العمومية، إذ بلغت ديون المؤسسات الصحية العمومية لصالح الصيدلية المركزية حتى يوليو/ تموز الماضي 200 مليون دولار أميركي وفق الصيدلية المركزية، بالإضافة إلى ديون صندوق التأمين على المرض لصالح الصيدلية والتي بلغت نحو 150 مليون دولار.
وقد توجهت العديد من الجمعيات والمنظمات على غرار الجمعية التونسية للدفاع عن الحق في الصحة، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بنداء إلى وزارة الصحة لتوفير الأدوية في المؤسسات الصحية العمومية وتمكين مليون شخص يعانون من أمراض مزمنة من حقهم في الدواء، مؤكدة أنّه "على الرغم من الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة في الفترة الأخيرة، لتطوير مخزون استراتيجي كافٍ من مختلف الأدوية يغطي مدة تتجاوز ثلاثة أشهر، فإنّ الواقع يبيّن أنّ هذه الإجراءات لم تنعكس على المرضى الذين يراجعون مراكز الصحة الأساسية". كذلك، ذكرت الجمعيات أنّ "سبب النقص المزمن في الأدوية لدى القطاع العمومي يتمثل أساساً في ضعف الميزانيات المرصودة للأدوية، مشيرة إلى أنّ الوضع ازداد تفاقماً في الفترة الأخيرة من جراء تأخر أو تخلي مختبرات التصنيع المحلي للأدوية عن التزاماتها بتزويد الصيدلية المركزية بالأدوية، وبحسب جدولة منصوص عليها في طلبات العروض الخاصة بحاجيات الهياكل الصحية العمومية، والتي فتحتها الصيدلية المركزية في غضون 2019 (بعنوان 2020 أو 2020- 2021)، وشاركت فيها هذه المختبرات". بدورها، أشارت وزارة الصحة الأسبوع الماضي إلى أنّها تعمل على توفير اعتمادات مالية إضافية في أقرب وقت من أجل تخفيض ديون المستشفيات العمومية تجاه الصيدلية المركزية.