مع تزايد الأمراض في خلال فصل الشتاء، يلجأ يمنيون كثر إلى مراكز للإسعافات الأولية والصيدليات من أجل تلقي العلاج، نظراً لعدم قدرتهم على تحمّل التكلفة العالية للمستشفيات وعيادات الأطبّاء الخاصة، الأمر الذي قد يؤدّي إلى مضاعفات صحّية خطيرة في ظلّ غياب كامل للمؤسسات الرقابية في البلاد منذ بدء الحرب.
هاني محمد، من سكان العاصمة صنعاء، يخبر أنه اعتاد التوجّه إلى مركز للإسعافات الأولية كلّما أصيب بنزلة برد أو حمّى أو غير ذلك، فيعمد العامل الصحّي إلى توفير علاج له عبر حقن مسكّنة مخلوطة مع مضادّات حيوية وفيتامينات بقيمة ثلاثة آلاف ريال يمني (نحو 12 دولاراً أميركياً). يضيف محمد لـ"العربي الجديد" أن "تكاليف تلك المراكز أقلّ بكثير مما قد يجب علينا دفعه في المستشفيات وعيادات الأطباء مقابل الكشف الطبي والفحوصات والأدوية"، لكنه يشير إلى "مراكز وصيدليات تستغل فصل الشتاء الذي تكثر فيه الأمراض، لتصريف أكبر قدر ممكن من الأدوية وبأسعار مرتفعة، من دون أيّ رقابة من وزارة الصحة والسكان".
من جهتها، تقول سماح محمد لـ"العربي الجديد"، إنه "في ظلّ الأوضاع المادّية السيئة التي تسبّبت فيها الحرب، من غير المعقول استشارة الطبيب وتحمّل تكاليف الكشف لكلّ حبة دواء أو مرض خفيف نصاب به، ولا سيّما في فصل الشتاء. وأنا أشتري من الصيدلية مسكّنات للألم وأدوية لنزلات البرد والسعال وأضعها في المنزل كإجراء احترازي، في حال وقوع أيّ طارئ". وتلفت إلى أنها تستخدم تلك الأدوية عند إصابتها أو أحد أفراد العائلة بـ"أمراض خفيفة لا تستدعي زيارة طبيب".
في السياق، يقول العامل الصحّي عبد الله الآنسي في أحد مراكز الإسعاف الأولي، إنّ "المواطنين يفضّلون استخدام الحقن المهدئة المخلوطة مع مضادّات حيوية لعلاج الإنفلونزا والحمّى والتهاب الحنجرة وآلام البطن". يضيف لـ"العربي الجديد"، أنّ "المركز يستقبل مواطنين كثيرين في خلال فصل الشتاء وبصورة يومية، ولا سيّما من الفقراء، نظراً إلى التكاليف المتدنية بالمقارنة مع تكاليف المستشفيات وعيادات الأطباء الخاصة". ويلفت الآنسي إلى أنّ "الأوضاع الاقتصادية الصعبة دفعت اليمنيين بمعظمهم إلى البحث عن علاج أقلّ تكلفة، بصرف النظر عن المضاعفات التي قد تحدث بسبب عدم استشارة الطبيب"، مشدداً على "أهمية توعية المجتمع حول مخاطر استخدام الأدوية عشوائياً".
أمّا الصيدلاني حامد عبد الوهاب، فيشير إلى إقبال كبير للمواطنين على صيدليته في خلال فصل الشتاء، قائلاً لـ"العربي الجديد": "نحاول إقناع المرضى بأهمية استشارة الطبيب في الحالات التي تستلزم ذلك، لكن من دون جدوى. مرضى الكلى على سبيل المثال يحتاجون إلى علاج خاص وتحاليل وصور، لكنّ ثمة أشخاص يصرّون على شراء الحقن المهدئة التي من الممكن أن تسبب مضاعفات في حال استخدموها مرّات عديدة". يضيف عبد الوهاب أنه يبيع أدوية لأمراض البرد يومياً من دون حاجة إلى وصفة طبّية، "فهي لا تحتاج لذلك وتعتمد على تقدير الصيدلاني"، مؤكداً أنه يرفض "بيع الأدوية الخاصة بالأمراض الخطيرة والمزمنة، مثل أمراض الكلى والسكّري وارتفاع ضغط الدم إلا بوصفة طبّية".
والاستخدام العشوائي للأدوية وعدم استشارة الأطبّاء ذوي الاختصاص، يؤديان إلى مضاعفات صحّية خطيرة بحسب ما يؤكد المعنيون بالمجال الصحّي. ويقول في هذا السياق الدكتور أحمد بورجي، وهو متخصص في أمراض الكلى والمسالك البولية لـ"العربي الجديد"، إنّ "لجوء المواطنين إلى الأدوية والمسكّنات بطريقة عشوائية، يؤدّي إلى مشكلات مختلفة ومن ثمّ الفشل الكلوي في حال استهلاكها لمدّة طويلة. يضيف أنّ "اليمنيين بمعظمهم اعتادوا التوجّه إلى أقرب صيدلية بمجرّد شعورهم بألم ما، لشراء الأدوية من دون استشارة الأطباء"، لافتاً إلى أنهم "يعتمدون بشكل رئيسي على الصيادلة لوصف العلاج المناسب لهم، وهو ما قد يؤدّي إلى مضاعفات صحّية خطيرة مستقبلاً". ويشدد بورجي على أنّه "من الخطأ صرف أدوية لأيّ شخص يعاني من آلام في الكلى، بسبب البرد أو التهابات في المسالك البولية من دون وصفة طبيب"، مشيراً إلى أنّ "الوضع المعيشي السيّئ قد يكون السبب الرئيسي لهذه الحال في اليمن، بالإضافة إلى نقص الوعي الصحّي لدى المواطنين".
تجدر الإشارة إلى أنّ أكثر من نصف المرافق الصحّية في اليمن باتت خارج الخدمة، من جرّاء الحرب المتصاعدة في البلاد منذ مارس/ آذار من عام 2015، بحسب منظمة الأمم المتحدة التي تفيد بأنّ أكثر من مليون موظف حكومي في اليمن لا يتقاضون رواتبهم منذ توقّف صرفها في سبتمبر/ أيلول من عام 2016. كذلك تؤكد المنظمة أنّ البلاد تعيش أسوأ أزمة إنسانية في العالم، إذ إنّ أكثر من 24 مليون شخص يحتاجون إلى مساعدات إنسانية وإغاثية عاجلة.