أخطاء عبد الله شحاتة القاتلة

09 يوليو 2018
شحاتة حارب التهرب الضريبي والجمركي والفساد(عماد حجاج)
+ الخط -


في شهر مايو/أيار 2013، طلبت مقابلة مع الدكتور فياض عبد المنعم وزير المالية في ذلك الوقت لإجراء حوار صحافي حول عدد من القضايا المثارة حينئذ ومنها المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وشائعات خفض الدعم الحكومي، وملاحقة كبار المتهربين ضريبياً وغيرها.

كان رد الوزير عليً سريعا: " أنا في انتظارك غداً في الساعة 12 مساء"، وبسرعة قلت للوزير: "تقصد 12 صباحا"، فقال: لا، بل 12 مساء.

شكرته وذهبت في الموعد المحدد، وبسرعة استقبلني الوزير وطلب مني الجلوس بالقرب من مكتبه، وأستأذنني لبضع دقائق حتى ينهي اجتماعاً مهماً كان يعقد في ركن آخر في مكتبه.

ساعتها لفت نظري حماس شاب يتحدث في الاجتماع عن ضرورة استرداد أموال الدولة من كبار المتهربين ضريبياً، وأنه لا يجوز التهاون مع هؤلاء، وأن مكافحة التهرب الضريبي أحد أبرز وسائل علاج عجز الموازنة العامة، وذكًر الشاب الحاضرين بما تفعله الدول المتقدمة مع المتهربين من سداد الضرائب، وأنها تلقي بهم في غياهب السجون عقابا على ارتكابهم لهذه الجريمة المخلة بالشرف.

كان الوزير والحضور يستمعون للشاب المتحمس باهتمام وتركيز شديدين حسب متابعتي عن بعد للاجتماع الذي كان يعقد على بعد أمتار مني، وكانت المفاجأة وقتها أني علمت أن المتهربين من سداد الضرائب هم كبار رجال الأعمال والفن والإعلام في المجتمع.

من بين هؤلاء المتهربين من يمتلك قنوات فضائية كبرى، ومنهم من يمتلك مصانع حديد وسيراميك وإسمنت وأسمدة وشركات مقاولات كبرى، ومنهم مذيعون كانوا يصدعوننا ليل مساء بالحديث عن ضرورة مكافحة الفساد والحفاظ على المال العام، وأحد رجال الأعمال الذي تم ذكره في الاجتماع متهرب من سداد ضرائب عن صفقة واحدة بقيمة 79 مليار جنيه "ما يعادل 11.44 مليار دولار بأسعار ذلك الوقت".

ومن متابعة الاجتماع عرفت أن الشاب المتحدث حصر بالفعل أسماء المتهربين في ملف واحد يحوي نحو 100 شخص، كما أحصى حالات التهرب من صفات الدمج والاستحواذ التي تتم بالتحايل على القانون كما جرى في صفقة شركة المصرية للأسمدة، والتي تم بيعها لشركة لافارج الفرنسية.

ساعتها انتهى الاجتماع إلى قرار مضمونه هو الدخول مباشرة في مفاوضات سريعة مع رجال الأعمال المتهربين وتخييرهم بين سداد مستحقات الدولة أو إحالة الملف للنائب العام.

عقب الاجتماع، سرت نحو هذا الشاب المتحمس، صافحته وأثنيت على تحمسه لاستراداد أموال الدولة والحفاظ على المال العام، وقلت له إن الصحافة يمكن أن تساعدك في إنجاز هذا الملف خاصة أن نظريتي ساعتها كانت تقوم على أن "رجل الأعمال سمعة بالدرجة الأولى"، وأنه إذا ما عرف المستثمر أن اسمه سيتداول في الإعلام ضمن قائمة تضم 100 من كبار المتهربين من سداد الضرائب فسيسارع إلى السداد حفاظا على سمعته وسمعة شركاته.

بالطبع، كان هذا تصوراً ساذجاً مني، إذ إن هؤلاء المتهربين سارعوا ساعتها ليس لسداد ما عليهم للدولة، بل للاستنجاد بكبار المسؤولين وأصحاب النفوذ في الدولة لإنقاذهم من هذه الورطة، كما قام بعضهم بتمويل حركات مضادة للسلطة القائمة مثل "تمرد" وغيرها بغرض إسقاط النظام الحاكم، وبالتالي يتم حينئذ إغلاق هذا الملف المزعج بالنسبة لهم.

الشاب الذي أقصده هنا هو عبد الله شحاتة مساعد وزير المالية في حكومة هشام قنديل الذي حكم عليه الأسبوع الماضي بالسجن المؤبد 25 سنة بتهم الانضمام لجماعة محظورة وغيرها من التهم التي يتم إلصاقها بالمعارضين في مرحلة ما بعد انقلاب 3 يوليو 2013.

تعرفه الصحافة العالمية بأنه المستشار الاقتصادي للرئيس محمد مرسي، وتعرفه الأوساط الأكاديمية بأنه أستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وتعرفه الأوساط الحزبية بأنه رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة الذي حكم مصر لمدة عام من يونيو /حزيران 2012 إلى يونيو 2013.

وتعرفه الجامعات العالمية بأنه حاصل على درجة الدكتوراه من أعرق جامعات لندن، وتعرفه المؤسسات المالية الدولية بأنه عمل خبيرًا بالمعونة الأميركية ومستشاراً لصندوق النقد الدولي، ومثل مصر في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين التي تعقد سنوياً بالعاصمة واشنطن، هو أحد أهم خبراء المالية العامة في مصر والمنطقة العربية، يشهد له أساتذته بالنبوغ طالباً ثم أستاذاً.

استطاع من خلال موقعه الرسمي بوزارة المالية استرداد مليارات الجنيهات الضائعة من أموال الدولة وإعادتها للموازنة العامة، وأصر على استرداد حق الدولة من إحدى شركات ساويرس وأرغمها على سداد 7 مليارات جنيه قيمة التهرب، وأصر على أن يكون سداد التهرب بالدولار وذلك بناء على تقرير الفحص الذي خلص إلى أن الشركة متهربة من ضرائب بقيمة 14 مليار جنيه.

بل وتسبب في إصدار قرار من المستشار طلعت عبدالله، النائب العام حينئذ، بوضع كل من أنسي ساويرس، رئيس شركة أوراسكوم للإنشاءات والصناعة، وناصف ساويرس، المدير التنفيذي للشركة، على قوائم الممنوعين من السفر وترقب الوصول حينما رفضا الاعتراف بالتهرب الضريبي وسداد المستحقات للدولة.

عبد الله شحاتة حارب التهرب الضريبي والجمركي والفساد في وزارة المالية بكل ما يملك من قوة، وكان مصراً على أخذ حق الدولة من كبار المتهربين، أغضب "الكبار"، مسؤولين وأصحاب نفوذ، عندما رفض وساطتهم لإغلاق ملف "تهرب الحيتان" من الضرائب أو تقليل المبالغ المستحقة عليهم، وقال بصوت عالٍ : "لا تفاوض بشأن حق الدولة".

عبد الله شحاته عاد إلى وطنه عندما كان الوطن في حاجة إليه وترك عمله كمستشار في صندوق النقد الدولي بالخارج وراتب 20 ألف دولار شهريا وقرر العودة لبلده لإفادته بخبراته الطويلة خاصة في مجال المالية العامة وعلاج عجز الموازنات وكيفية إعادة توزيع الدعم الحكومي بشكل يفيد الفقراء لا يضرهم.

عبد الله شحاتة كانت لديه خطة لعلاج عجز الموازنة العامة بدون رفع الأسعار وإرهاق ملايين الفقراء وزيادة الضرائب على الموظفين بالحكومة.

كان دوما يقول: لماذا تحصل سيارة السفير الأميركي بالقاهرة على البنزين المدعم من الدولة، ولماذا يحصل منزل نظيره البريطاني على الكهرباء المدعمة من جيوب فقراء المصريين؟ ولماذا تحصل مصانع حديد عز وبشاي والمصريين وغيرها على الغاز والطاقة والمازوت المدعم من الموازنة العامة رغم أن هذه الشركات تربح مليارات الجنيهات سنويا.

عبد الله شحاتة كان صاحب أول دراسة علمية في مصر عن دعم الطاقة، ولذا كان مصراً على منع الدعم الحكومي عن شركات الحديد والصلب والصلب والألمونيوم والسيراميك والأسمنت والأسمدة وغيرها من الشركات الخاصة كثيفة استهلاك الطاقة والتي تحصل على الطاقة والكهرباء والغاز بسعر رخيص من الدولة.

كان يتبني سياسة فرض ضرائب على تعاملات البورصة والأرباح الرأسمالية الناتجة عن التعامل في الأوراق المالية، وكذا فرض ضرائب على أموال المستثمرين الساخنة والتي تدخل البلاد وتخرج بسرعة حاملة معها أرباحا عالية.

هل عرفتم الآن الأخطاء القاتلة التي أرتكبها عبد الله شحاتة في حق الاقتصاد المصري والمواطن حتى ينال عقوبة قاسية وهي السجن المؤبد 25 سنة، وهي العقوبة التي تفوق تلك التي يتم توقيعها على القتلة وتجار المخدرات وغاسلي الأموال القذرة والمرتشين وناهبي المال العام والمحتكرين وسماسرة الأثار والأعراض، بل وعلى الذين يخونون أوطانهم في زمن السلم؟

المساهمون