أحجية حفتر

14 مايو 2020
يتقاعس المجتمع الدولي عن وقف اعتداءات حفتر (حازم تركية/الأناضول)
+ الخط -
يبدو أن موظفي البعثة الأممية إلى ليبيا تعبوا من إحصاء جثث المواطنين الذين سقطوا جراء قصف مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر العشوائي في كل الاتجاهات، فلم يتضمن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الذي قدمه لمجلس الأمن، يوم الاثنين الماضي، عن عمل بعثته سوى إحصاء مقتل 131 شخصاً من أول يناير/ كانون الثاني وحتى نهاية مارس/ آذار الماضيين فقط. لكن اللافت في التوثيق أنه جاء بشكل إحصاء أرقام الضحايا من دون الحديث عن المسؤول عن مقتلهم. وفي المرة الوحيدة التي همست فيها البعثة الأممية باسم حفتر كمسؤول عن "الهجمات العشوائية" أقضت قذيفة مضجع السفير الإيطالي جيوزيبي بوتشيني، بعد سقوطها أمام مقر إقامته في حي زاوية الدهماني في العاصمة طرابلس ليل الخميس الماضي.

باتت أحجية العالم مع حفتر مستعصية على فهم المواطن في ليبيا، فمع كل هذا الكم من الإجرام الفاضح والانتهاك الواضح لا يزال الجميع يغض الطرف عنه. وعلى العكس فقد مكّنته فرنسا، في مايو/ أيار 2018، من أن يكون أحد قادة ليبيا الأربعة الذين يدور حولهم الحل السياسي بعد أن خلع بزته العسكرية مؤقتاً. وسبق له أن أعلن عن إسقاط الحكومة والمؤتمر الوطني (البرلمان) وتجميد الاعلان الدستوري في إبريل/ نيسان 2014، وأطلق حرباً ضروساً أكلت الأخضر واليابس طيلة أربع سنين في بنغازي، وحاصر سكان درنة لمدة عام ونصف العام قبل اقتحامها رغم رفض أهلها، قبل أن يكتسح بالهمجية نفسها خمس مناطق في الهلال النفطي. وفي الجنوب هجّر نصف سكان مرزق، قبل انقلابه على أكبر توافق سياسي لإنهاء أزمة ليبيا في غدامس في إبريل/ نيسان 2019 مهاجماً طرابلس، على الرغم من وجود غوتيريس فيها لوضع اللمسات الأخيرة لملتقى غدامس. وغزوة حفتر على العاصمة كانت بقوات مصرية وإماراتية وسودانية وتشادية وفرنسية وروسية، مديراً ظهره لجهود وقف إطلاق النار في موسكو والحل السياسي في برلين، من دون أن ينبس العالم ببنت شفة. فماذا بعد؟

ربما كان مقنعاً بالنسبة للبعض أن حفتر وقواته يمتلكان "الشرعية" التي منحها لهما مجلس النواب في طبرق عام 2015، وربما يمكن التغاضي عن عدم اعتراف اللواء المتقاعد باتفاق الصخيرات الذي أعاد مجلس النواب للواجهة لتستمر شرعيته، لكن ماذا بعد إعلانه إسقاط مجلس النواب؟ حقاً تبدو أحجية حفتر صعبة على الفهم قبل التفكير في حلها.

المساهمون