15 نوفمبر 2024
أحجية الحريري ومآلاتها
تخطت قضية رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، واستقالته، السياق المحلي، لتدخل سريعاً في معترك التدويل، مع ارتباط الملف بتحرّكات ومواقف دولية، باتت تطالب باستعادة الرجل، والتأكد من أنه ليس رهن الإقامة الجبرية أو الاعتقال، وهي الأحجية التي لا تزال بلا حل. قد تساهم الزيارة المرتقبة للحريري إلى باريس، خلال أيام، في فكفكة عقد الغياب عن السمع فترة طويلة، لكنها لن تنهي الأزمة اللبنانية، وشغور رئاسة الحكومة بشكل كبير، وخصوصاً في حال صدقت التوقعات التي تفيد بأن الحريري قد يقدم على اعتزال العمل السياسي بعد إنهاء إجراءات الاستقالة وفق الطرق الدستورية المتبعة. هذه التوقعات مبنية على فقدان رئيس الحكومة المستقيل الغطاء الإقليمي الذي أمّن له تولي هذا المنصب بالأساس، وهو فقدان قد يكون مرتبطاً بعدم الرضا السعودي بالدرجة الأولى عن أداء الحريري، لا سيما في ما يخص العلاقة مع إيران وحزب الله، وقد تكون له علاقة بتصفية الحسابات الداخلية السعودية، وخصوصاً أن آل الحريري كانوا مقرّبين من الملك الراحل عبد الله الذي تم زج ابنه متعب في السجن خلال حملة الاعتقالات أخيرا.
غير أن السيناريوهات لا تتوقف عند هذا الحد، فالسؤال الذي يمكن أن يطرح: ماذا لو قرّر الحريري الإقرار بالوضع الذي كان عليه في السعودية، وهو بالحد الأدنى "تقييد سياسي ومصادرة قرار"، بحسب ما أسرّ به كثيرون من المقربين جداً منه، رفضوا فكرة الاحتجاز الفعلي، ولم ينفوا مصادرة القرار. إقرار الحريري بحقيقة وضعه قد تعني انقلاباً تاماً ونهائياً عن السعودية، والانتقال بمن معه إلى المقلب الآخر في الداخليْن، اللبناني والإقليمي، مع ما قد يعنيه ذلك من اختلال في موازين القوى الداخلية، وتسليم لبنان بالكامل إلى إيران. قد يكون مثل هذا الأمر مستبعداً، ولكن لمس إرهاصاته بقوة في الشارع البيروتي كان ممكنا، تحديداً في الأيام الأولى لاختفاء الحريري، وبعد الظهور الثاني للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، والذي نجح في مخاطبة هذا الشارع واستمالته، إثر القناعة التي ترسخت لديه بأن زعيمه ليس حراً في المملكة العربية السعودية التي أهانته رئيسا للوزراء وزعيما سنيا لبنانيا، وهو ما لا يمكن تقبّله. انعكس هذا الأمر في إحراق صور ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في طرابلس التي تعد المعقل الرئيس للحريري وللسنة في لبنان.
قد لا يقدم الحريري عملياً، في حال خرج كلياً من العباءة السعودية، على الانقلاب التام على المملكة، لاعتباراتٍ اقتصادية بالدرجة الأولى، وسياسية لاحقاً، لكن العلاقة مع السعودية بالتأكيد لن تكون مثلما كانت عليه، لا بالنسبة للحريري، ولا للجموع التي يمثلها في الداخل اللبناني، وهو الأمر الذي يفتح على تساؤلاتٍ كبيرة حول وضع رئاسة الحكومة لاحقاً في لبنان، وإلى أي من المحاور سينتمي من يحتل هذا المنصب. فما بنته السعودية خلال السنوات الماضية، منذ عهد الحريري الأب، من نفوذ في الأوساط اللبنانية، السنية تحديداً، قد لا يكون من الممكن البناء عليه بعد اليوم، وهناك حاجة لإعادة تأسيس جديدة للنفوذ، والبحث عن أطراف أخرى تملك الشعبية المناسبة، وهو غير متوفر حاليا.
وبغض النظر عن المآلات المرتقبة للتطورات على الساحة اللبنانية، من المؤكد أن ما قبل استقالة الحريري، أو دفعه إلى الاستقالة و"احتجازه"، ليس كما بعدها، وأن النفوذ السعودي في لبنان في طريقه إلى النهاية، لكن السؤال هو عن البديل الذي يمكن أن يملأ الفراغ. إيران لا شك ترغب في لعب هذا الدور، لكن الخلاف المذهبي قد يحول دون نجاحها في المهمة التي ربما تحاول تركيا الدخول على الخط لإتمامها.
غير أن السيناريوهات لا تتوقف عند هذا الحد، فالسؤال الذي يمكن أن يطرح: ماذا لو قرّر الحريري الإقرار بالوضع الذي كان عليه في السعودية، وهو بالحد الأدنى "تقييد سياسي ومصادرة قرار"، بحسب ما أسرّ به كثيرون من المقربين جداً منه، رفضوا فكرة الاحتجاز الفعلي، ولم ينفوا مصادرة القرار. إقرار الحريري بحقيقة وضعه قد تعني انقلاباً تاماً ونهائياً عن السعودية، والانتقال بمن معه إلى المقلب الآخر في الداخليْن، اللبناني والإقليمي، مع ما قد يعنيه ذلك من اختلال في موازين القوى الداخلية، وتسليم لبنان بالكامل إلى إيران. قد يكون مثل هذا الأمر مستبعداً، ولكن لمس إرهاصاته بقوة في الشارع البيروتي كان ممكنا، تحديداً في الأيام الأولى لاختفاء الحريري، وبعد الظهور الثاني للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، والذي نجح في مخاطبة هذا الشارع واستمالته، إثر القناعة التي ترسخت لديه بأن زعيمه ليس حراً في المملكة العربية السعودية التي أهانته رئيسا للوزراء وزعيما سنيا لبنانيا، وهو ما لا يمكن تقبّله. انعكس هذا الأمر في إحراق صور ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في طرابلس التي تعد المعقل الرئيس للحريري وللسنة في لبنان.
قد لا يقدم الحريري عملياً، في حال خرج كلياً من العباءة السعودية، على الانقلاب التام على المملكة، لاعتباراتٍ اقتصادية بالدرجة الأولى، وسياسية لاحقاً، لكن العلاقة مع السعودية بالتأكيد لن تكون مثلما كانت عليه، لا بالنسبة للحريري، ولا للجموع التي يمثلها في الداخل اللبناني، وهو الأمر الذي يفتح على تساؤلاتٍ كبيرة حول وضع رئاسة الحكومة لاحقاً في لبنان، وإلى أي من المحاور سينتمي من يحتل هذا المنصب. فما بنته السعودية خلال السنوات الماضية، منذ عهد الحريري الأب، من نفوذ في الأوساط اللبنانية، السنية تحديداً، قد لا يكون من الممكن البناء عليه بعد اليوم، وهناك حاجة لإعادة تأسيس جديدة للنفوذ، والبحث عن أطراف أخرى تملك الشعبية المناسبة، وهو غير متوفر حاليا.
وبغض النظر عن المآلات المرتقبة للتطورات على الساحة اللبنانية، من المؤكد أن ما قبل استقالة الحريري، أو دفعه إلى الاستقالة و"احتجازه"، ليس كما بعدها، وأن النفوذ السعودي في لبنان في طريقه إلى النهاية، لكن السؤال هو عن البديل الذي يمكن أن يملأ الفراغ. إيران لا شك ترغب في لعب هذا الدور، لكن الخلاف المذهبي قد يحول دون نجاحها في المهمة التي ربما تحاول تركيا الدخول على الخط لإتمامها.