يطرح التوتر الروسي - الأوكراني المستجد بين روسيا وأوكرانيا مخاطر اقتصادية، نظراً للموقع الاستراتيجي الذي يحتله مضيق كيرتش الواصل بين البحر الأسود وبحر آزوف من جهة، والفاصل بين البر الروسي الرئيسي وجزيرة القرم التي ضمّتها روسيا إليها بعد سلخها بالقوّة عن أوكرانيا عام 2014، من جهة أخرى.
وتمتد الأثمان الاقتصادية التي يتكبدها الجانبان من التجارة والشحن، إلى العملة والأسهم وسندات الديون الحكومية، فضلاً عن احتمال فرض عقوبات إضافية على موسكو إذا ما تفاقمت الأوضاع أكثر.
لعل الخطر الأكبر هو المرتبط بحركة الملاحة البحرية في هذا المضيق، وهو خطر تضاءلت فرص تطوّره اليوم، بفضل 3 عوامل أساسية:
العامل الأول، مبادرة موسكو إلى إعادة فتح مضيق كيرتش القريب من القرم أمام سفن الشحن في الساعات المبكرة من صباح اليوم الإثنين، بعد إطلاق النار على 3 زوارق تابعة للبحرية الأوكرانية وجرح عدد من أفراد أطقمها واحتجازها، أمس الأحد. واستتبع ذلك، أمس، إغلاق روسيا مضيق كيرتش، بما يمنع السفن، لا سيما بواخر شحن السلع والبضائع، من المرور من البحر الأسود إلى بحر آزوف، وبالعكس.
يُشار في هذا السياق، إلى أن اتفاقية ثنائية تمنح كُلاً من روسيا وأوكرانيا حق الملاحة في بحر آزوف الواقع بينهما، والذي يربط مضيق كيرتش بينه وبين البحر الأسود، فيما تعني سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم، التي تضم الأسطول الروسي في البحر الأسود، أنها تستطيع التحكم في حركة الملاحة في المنطقة.
والعامل الثاني، اتجاه موسكو وكييف مباشرة إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في محاولة لاحتواء أي تطوّرات لا تُحمَد عقباها بالنسبة للجانبين، حيث نقلت "رويترز" عن دبلوماسيين قولهم إن المجلس سيجتمع، في وقت لاحق اليوم الإثنين، لمناقشة المستجدات بناء على طلب من روسيا وأوكرانيا.
ونقلت "فرانس برس" عن مصادر أوروبية تأكيدها أن مجلس الأمن دُعي إلى عقد اجتماع للجنة السياسية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، اليوم عند الساعة 14:00 بتوقيت غرينتش، لدرس الوضع.
ومع أن "رويترز" أكدت، في وقت سابق اليوم، أن موسكو أعادت فتح المضيق أمام الملاحة، نقلت "فرانس برس"، عصر اليوم الإثنين، عن سفراء دول الاتحاد الأوروبي في مجلس الأمن الدولي، أنهم حضّوا روسيا على "إعادة حرية الملاحة" في مضيق كيرتش.
وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، عبّر سفراء فرنسا وبريطانيا والسويد وبولندا وهولندا، الذين يقومون بجولة في الصين، في بيان مشترك، عن "مخاوفهم من تفاقم التوتر الأخير في بحر آزوف ومضيق كيرتش"، ودعوا روسيا "إلى ضمان الوصول بحرية إلى الموانئ الأوكرانية في بحر آزوف، وإعادة حرية حركة الملاحة في مضيق كيرتش".
أما العامل الثالث، فهو مجموعة المواقف الخارجية والدولية التي حذّرت من تبعات أي تطوّر سلبي يمس المصالح الاستراتيجية في هذا المضيق الحيوي، ومن أبرزها ما عبّرت عنه وزارة خارجية تركيا، التي أصبحت تربطها بروسيا علاقات وثيقة جداً في الوقت الحاضر، وذلك بإصدارها بياناً أعربت فيه عن القلق بشأن التقارير التي تحدثت عن تعرّض سفن أوكرانية لإطلاق نار قبالة سواحل القرم، وقالت: "بصفتنا دولة تطل على البحر الأسود، نُشدّد على أنه لا يتعيّن عرقلة المرور عبر مضيق كيرتش".
ومن المواقف الرادعة أيضاً تصريح ألمانيا، على لسان وزير خارجيتها هايكو ماس، على "تويتر"، اليوم الإثنين، أن إغلاق روسيا بحر آزوف غير مقبول، مضيفاً أن التطورات مثيرة للقلق، مع حثه الجانبين على منع تصعيد النزاع.
Twitter Post
|
موسكو، من جهتها، لا تتوقع أن يؤدي الحادث إلى فرض عقوبات غربية جديدة عليها، معتبرة، على لسان وزير خارجيتها سيغي لافروف، أن المقصود كان تفتيش السفن الأوكرانية. علماً أن موسكو تعرّضت، منذ عام 2014، إلى سلسلة من العقوبات، بعدما ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم إلى أراضيها عنوةً.
العقوبات والتجارة
ووفقاً لـ"وول ستريت جورنال"، فإن التوترات حول بحر آزوف تصاعدت، في الأشهر الأخيرة، بسبب تأخير روسيا عمليات عبور السفن الأوكرانية مضيق كيرتش والخروج من خلاله.
الصحيفة أشارت أيضاً إلى أن المراكز الصناعية على البحر، بما في ذلك في ماريوبول وبرديانسك، تعتمد على حركة السفن كشريان حياة اقتصادي لتصدير المعادن والحبوب، بما في ذلك شحنات القمح الاستراتيجية، في حين اتهمت روسيا، بدورها، أوكرانيا بمضايقة سفنها العابرة.
العملة والأسهم وسندات الديون
العملة الروسية، بدورها، لقيت نصيباً من الخسائر بسبب التطوّرات، فانخفض الروبل 1% مقابل الدولار الأميركي، اليوم الإثنين، فيما هبط مؤشر سوق الأسهم "آر.تي.إس" RTS بنسبة 1.9% في بورصة موسكو، كما أوردت "وول ستريت جورنال".
كما أقبل المستثمرون على بيع سندات ديون الحكومة الأوكرانية، وارتفع العائد على السندات الحكومية التي تستحق عام 2025، من 9.922% إلى 10.487%، بسبب ارتفاع منسوب المخاطر.