أثر الحرائق الخطير على الطيور

20 أكتوبر 2019
اختفت الطيور (حسين بيضون)
+ الخط -
الحرائق الطبيعية عادةً ما تكون من ضمن النظام الطبيعي لدورة الحياة ويكون وقوعها متباعداً في السنوات، على العكس من الحرائق المتعمدة أو تلك الناتجة من سوء إدارة الأراضي، التي يكون وقوعها متكرراً وتصيب المناطق الحرجية المتنوعة. هذا النوع من الحرائق غالباً ما يحدث في جو حارّ فوق العادة، لكنّه ينتج من تخمر مواد نباتية من القش والخشب في الهشيم، تشارك فيه بكتيريا التخمر التي ترفع حرارة هذه المواد إلى حدّ إشعال النار بها، فتمتد بعدها إلى الغابات والأحراج.

الحرائق التي شهدها لبنان في منتصف شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2019، لا تبدو بريئة، خصوصاً أنّ البعض يعتبرها مفتعلة من أجل التخلص من الغابات وتطوير الأراضي لمصالح خاصة، في ظل قانون منع قطع الأشجار. قد تكون غير مقصودة، لكنّها من صنع الإنسان الجاهل الذي درج على حرق قمامته في المناطق الريفية، لكنّه أيضاً فعل ذلك في يوم حارّ بعض الشيء وجافّ، وفيه رياح شديدة، كالتي حصلت ليل الواقعة، ونشرت الجمر والنار في مناطق عدة. لكن هناك في بعض المناطق اللبنانية عقارات مملوكة من مواطنين، غير ممسوحة لكنّها محاطة بغابة صنوبر تحدّها من الشرق وحرج من السنديان يحدها من الشمال، فيستغلون الحرائق، سواء كانت عفوية أو مقصودة، ويعمدون إلى إشعال النار كي يزيدوا من مساحة عقاراتهم التي تبقى محدودة بالغابات والأحراج.

في جميع الأحوال، فإنّ الحرائق المتكررة تسبب تدهور الأراضي وتدهور التنوع البيولوجي. ولا أحد يعلم عدد الطيور التي حاصرتها ثم التهمتها النيران وهي تبيت في الغابات والأحراج، كالعقبان والنسور والبزاة والبواشق التي تضطر إلى المبيت لأنّ الصواعد الهوائية التي كانت تحملها نهاراً تختفي في الليل. أما الأراضي المحترقة فتصبح ضعيفة التنوع البيولوجي وفقيرة بأنواع الطيور ما عدا بعض الأنواع التي تعد على الأصابع وتألف الأراضي العشبية أو تلك المحروقة، وتعتبر من الطيور البدائية غير المتخصصة، التي يمكنها أن تجد غذاءها في الأماكن المحروقة وغير المحروقة، وهي تتخلى عن هذه البيئة المحروقة (والمتغيرة) سريعاً بحسب نظام التتابع الإيكولوجي، حيث لكلّ مرحلة نمو نباتي وطيورها، وهكذا إلى أن تعود الغابة إلى ما كانت عليه قبل الحريق، أي بعد 15 إلى 100 سنة حين يبلغ نمو الأشجار مرحلة الاستقرار وتوفر الغابة جميع الظروف للتنوع البيولوجي الأمثل والغني، وتكون الطيور بعضها مع بعض من دون تنافس على الغذاء لسببين، أولهما أنّ الغابة توفر الكثير من الغذاء، وثانيها هو الأهم، أنّ هذه الطيور يكمل بعضها بعضاً، ولكلّ نوع منها تخصص في الغذاء والعادات يجنبها أن تدخل بعضها في معارك مع بعض.

في هذه البيئة الغابية أو الحرجية التي عادت إلى سابق عهدها، تقدم الأشجار تجاويف كثيرة وأماكن مناسبة لتعشيش الأنواع الناضجة والمستقرة من الطيور، وهي نفسها الأنواع التي تخدم، أكثر من غيرها، الأنظمة الإيكولوجية وتلقّح النباتات وتنشر البذور وتحدّ من الآفات التي تفتك بالغابات، والتي بدورها تخدم استدامة التنوع البيولوجي وبالتالي استدامة البشر.




باختصار، أعادت الحرائق الطبيعة إلى الوراء مئات السنين، ذلك لأنّ عمر الأشجار التي احترقت مئات السنين. لذلك، إنّ التشجير مطلوب، لكنّه لن يعيد ما فقد على الفور، بل سيكون تشجيراً يستفيد منه التجار فقط إن لم يُفعَّل دور كلّ الأجهزة المناط بها منع الحرائق قبل وقوعها والقضاء عليها سريعاً بعد وقوعها. ولا بد من التنبه إلى ضرورة حماية الطيور من القتل غير القانوني، لأنّه يؤدي إلى إفقار لبنان من الأنواع التي تساهم بزراعة الغابات مثل أبو زريق وكاسر البندق الصخري والسمان والكيخن والشرشير والحسون وسن المنجل والقيقب بنوعيه ونقار الخشب.

*متخصص في علم الطيور البرية
المساهمون