ناطحة السحاب شارد تسيطر على أفق لندن
27 يوليو 2020
+ الخط -

بعد أن تراجع عدد الأثرياء العرب الذين كانوا من كبار المستثمرين في العقارات البريطانية الفاخرة بسبب عدة نكبات تعرضوا لها خلال الأعوام الأخيرة، من بينها انهيار أسعار النفط، ومصادرة جزء من ثرواتهم، يغزو أحياء لندن الاستراتيجية مستثمرون جدد هذه المرة من الصين وهونغ كونغ.

ومنذ نهاية إغلاق الاقتصاد البريطاني في مايو/ أيار الماضي، يتواصل تدفق أثرياء هونغ كونغ والصين على العقارات البريطانية الفخمة ويرفعون تبعاً لذلك من جاذبيتها، رغم تداعيات جائحة كورونا السالبة على الاقتصاد البريطاني وخروج لندن الذي بات وشيكاً من الاتحاد الأوروبي بعد تعثر مفاوضات بريكست الخاصة بالترتيبات التجارية. في هذا الشأن، قالت وكالة "بوشامب ستيتس" البريطانية في تقرير عن العقارات الفاخرة الأسبوع الماضي، إن أثرياء هونغ كونغ والصين أصبحوا أكبر ملاك العقارات السكنية الفاخرة في العاصمة البريطانية لندن، إذ انتزعوا مرتبة أكبر المستثمرين في المساكن البريطانية من أثرياء روسيا والهند الذين اشتروا بكثافة العقارات الفاخرة في لندن خلال السنوات الأخيرة.

وقال المدير التنفيذ لوكالة "بوشامب ستيتس"، جيرمي غي إنه "منذ ديسمبر الماضي يتزايد عدد مستثمري هونغ كونغ في العقارات اللندنية الفاخرة، إذ احتلوا من حيث حجم الاستثمارات في العقارات السكنية المكانة الأولى التي كان يحتلها المستثمرون الروس والهنود". 
وكانت الحكومة البريطانية قد أعلنت في بداية شهر يوليو/ تموز الجاري أنها ستوسع حقوق الهجرة لتسهيل منح الجنسية البريطانية لسكان هونغ كونغ بعد إدانتها للقانون الأمني الصيني الجديد الذي فرضته حكومة بكين على هونغ كونغ. 

وبحسب الوكالة المتخصصة في العقارات الفاخرة، فإن نحو 15% من المساكن التي بيعت لمشترين أجانب ويبلغ ثمنها مليون جنيه إسترليني أو أكثر خلال العام الجاري ذهبت لمشترين من هونغ كونغ والصين. وأضافت أن نحو 20% من العقارات الاستراتيجية في لندن التي يبلغ سعرها 10 ملايين جنيه إسترليني أو أكثر كانت كذلك من نصيب مشترين من الصين. ويذكر أن استثمارات أثرياء الصين وهونغ كونغ بلغت 7.7 مليارات جنيه إسترليني في العام الماضي 2019. 
وحسب بيانات الوكالة اللندنية، فإن هنالك نحو 220 ألف مسكن في لندن مسجلة حتى نهاية شهر يونيو/ حزيران الماضي لملاك من الصين وهونغ كونغ. كما تتوقع وكالة "بوشامب ستيتس" أن يتملك أثرياء الصين معظم العقارات السكنية التي ستعرض للبيع ويفوق سعرها 15 مليون جنيه إسترليني في الأحياء الاستراتيجية وسط العاصمة البريطانية لندن، خاصة في أحياء ويستمنستر وكينزنغتون وتشيلسي، وذلك في حال استمرت تدفقات استثماراتهم بهذه المعدلات المرتفعة في لندن.
على صعيد تراجع استثمارات مليارديرات روسيا في العقارات البريطانية، لاحظت وكالة "بوشامب ستيت" أنه منذ عام 2010 بدأ عدد المستثمرين الروس في العقارات البريطانية يتراجع بسبب ارتفاع كلفة "الفيزا الذهبية" والتي تمنحها بريطانيا للمستثمرين الأجانب وكذلك بسبب الفحص الدقيق لمصادر الأموال التي يستخدمونها في الصفقات العقارية. 
يذكر أن رسوم التقديم للفيزا الذهبية في بريطانيا ارتفعت خلال الأعوام الأخيرة إلى 1623 جنيهاً إسترلينياً، إضافة إلى رسوم أخرى تخص الرعاية الصحية، كما تنص الإجراءات على صاحب الطلب استثمار مليوني جنيه إسترليني على الأقل وهنالك شروط أخرى بالنسبة للمتقدمين من بعض الدول. 
وكان نواب في البرلمان البريطاني قد أعربوا عن مخاوفهم من تزايد النفوذ المالي الروسي في لندن، وأثيرت اتهامات للحكومة البريطانية بالتراخي في التعامل مع الأثرياء الروس الذين يستغلون العقارات البريطانية في عمليات غسيل الأموال. ولكن العديد من الوكالات العقارية الكبرى تقول إنها تجري فحصاً دقيقاً للصفقات التي ينفذها الأثرياء الروس. 

في هذا الشأن، قال جيرمي غي إن "الأثرياء الروس الذين نتعامل معهم يخضعون لفحص دقيق للتأكد من مصادر أموالهم المستخدمة في الصفقات العقارية ونطلب إثباتات تؤكد أنها ليست من الأموال المجنية من الجرائم". 
من جانبها تشير وكالة سافيل العقارية البريطانية إلى أن من العوامل الأخرى التي تزيد جاذبية شراء المساكن الفاخرة في لندن، توجه الشركات للعمل من المنزل، إذ إن معظم الأثرياء باتوا يفضلون شراء منزل ضخم يحتوي على جناح منفصل يسمح لهم باستغلاله كمكتب لتسيير أعمالهم بدلاً من السفر واستئجار مكتب في وسط المدينة المزدحم.
وحسب البيانات التي نشرتها وكالة سافيل، فإن مبيعات المساكن في لندن التي يفوق سعرها مليون جنيه إسترليني ارتفع حتى نهاية يونيو/ حزيران بنسبة 40%، كما ارتفعت مبيعات المساكن التي يفوق سعرها مليوني جنيه إسترليني بنسبة 10%.
من جانبها تقول وكالة "نايت فرانك"، في تقرير، إن أسعار المساكن التي يبلغ سعرها 3 ملايين جنيه إسترليني أو أكثر ارتفعت بنسبة 53% منذ نهاية إغلاق الاقتصاد البريطاني في 23 مايو/ أيار الماضي. 
ولاحظ خبراء عقارات أن أسعار المساكن في مناطق شرقي لندن وفي مناطق كانت منبوذة بالنسبة للمستثمرين الأجانب بدأت بالارتفاع، إذ بيع مسكن من خمسة غرف وحوض سباحة في شرقي لندن بثمن فاق 7 ملايين جنيه إسترليني. وفي مناطق شمال غربي لندن ارتفعت الأسعار بمستويات كبيرة، إذ عرض الأسبوع الماضي مسكن في منطقة هاي غيت مكون من 10 غرف وتجهيزات بقيمة 40 مليون جنيه إسترليني.
في شأن الطلب القوي على قطاع العقارات الاستراتيجية، يقول رئيس شركة سافيل العقارية المتخصصة في العقارات الفاخرة عالمياً، جونثان هيوليت، إن سوق العقارات الفاخرة والاستراتيجية في لندن قوي جداً، لكن الأسعار لا تزال تقل عن المستويات المرتفعة التي بلغتها في عام 2014. 
وتستفيد العقارات الفاخرة البريطانية من تزايد عدد المليارديرات الجدد في الصين الباحثين عن اللحاق بالطبقة الأرستقراطية في أوروبا، عبر شراء عناوين في العاصمة البريطانية لندن. ووسط مخاوف أثرياء هونغ كونغ والصين من المطاردات الحكومية يتزايد عدد الباحثين عن مقار جديدة أقرب لعواصم المال الغربية. كذلك يزيد تراجع اليوان الصيني واحتمال فك الارتباط بين دولار هونغ كونغ والعملة الأميركية من رعب أصحاب الثروات، خاصة في هونغ كونغ التي بات مستقبل الحكم الذاتي فيها غير مضمون ويحمل العديد من أثرياء المدينة الجواز البريطاني، كما تربطها علاقات ثقافية واستثمارية وتعليمية ببريطانيا. 

وتشير بيانات بلومبيرغ إلى أن الصين تواصل صنع المليارديرات وبمعدل كبير رغم تداعيات جائحة كوفيد 19. وبحسب بلومبيرغ، فإن نحو 24 مليارديراً صنعتهم البورصة الصينية خلال النصف الأول من العام الجاري بعد طرح شركاتهم للاكتتاب في البورصات الصينية، خاصة بورصتي شنغهاي وشينزن. وحسب تقرير بلومبيرغ، فإن ثروة هؤلاء المليارديرات الجدد بلغت نحو 70 مليار دولار. ويذكر أن نحو 118 شركة صينية تم طرح أسهمها للاكتتاب في العام الجاري. 
ويستخدم الأثرياء الصينيون صفقات المساكن الخارجية كحيلة للسماح لهم باستخراج ثروات للخارج، إذ إن الصين شددت إجراءات التحويلات الخارجية وباتت لا تسمح بأكثر من 50 ألف دولار للشخص العادي خلال العام، كما تتشدد في فحص الصفقات التجارية مع الدول الغربية. وكان أثرياء الصين يستثمرون في العقارات الأميركية والكندية بكثافة خلال السنوات الماضية، ولكنهم ومنذ تصعيد النزاع بين بكين وواشنطن، فإنهم يتخوّفون من تعرضهم للمصادرة، وخصوصاً أن بعضاً منهم تربطهم علاقات استثمارية وتجارية مع البر الصيني.

المساهمون