19 أكتوبر 2024
أبناء درعا يكتبون مصيرها
ليست درعا مثل حلب، أو كالغوطة الشرقية قرب دمشق؛ فهي مدينة تمتد على مساحات واسعة، وتتوزّع على بلدات متباعدة، وجبهتها طويلة، ويصعب على جيشٍ مُتعبٍ أن يغطي جبهاتها. فوق ذلك كله، هناك مقاتلون خاضوا معارك كثيرة ضد النظام، وانتصروا في أغلبها، وحرّروا قرابة 70% من المدينة، ولولا الارتباط مع الدعم الدولي والإقليمي، عبر غرفة الموك، ربما حرّروا درعا كلها مع القنيطرة. تريد روسيا أن تفرض على هذه المدينة شروطاً إذعانية احتلالية، يتم بموجبها تسليم كل أشكال السلاح، وتحويل المقاتلين إلى جنود في الفيلق الخامس الذي شكّلته، وهناك خيار التهجير، أو القتل. هناك من استسلم بموجب اتفاق مصالحة، وتحوّل إلى كتيبة في جيش النظام "شباب السنة" برئاسة أحمد العودة، وكيل خالد المحاميد! ولكن أغلبية الفصائل رفضت الشروط أعلاه، وقرّرت حرب "الاستقلال والتحرير الشعبية"، وأعلنت النفير العام، وفقاً لبيان فريق إدارة الأزمة رقم 3، والموقّع من المنسق العام، المحامي عدنان المسالمة. إذاً هناك رفضٌ لتلك الشروط، وبما يفرض على الروس اقتراح ورقة جديدة للتفاوض.
تمت معركة درعا هذه بضوءٍ أخضر أميركي، حيث علّق الأميركان ضمانتهم لاتفاق منطقة خفض التصعيد في الجنوب، والموقع من واشنطن وموسكو أواخر 2017، وأعلنوا أنهم لن يدافعوا عن المدينة، وعلى فصائلها أن تخوض معاركها منفردة. وهناك ضوء أخضر من
إسرائيل، يقول بموافقة هذه على تصفية فصائل جبهة الجنوب والقنيطرة، وعودة جيش النظام إلى الحدود، وفقاً لاتفاقيات فك الاشتباك، 1974، بين سورية وإسرائيل. مقابل ذلك، وبعد انتهاء القنيطرة ودرعا، يتم إبعاد إيران عن الحدود. إذاً هناك توافق أميركي روسي إسرائيلي على ذلك. يتفق الأردن أيضاً مع ذلك، فهو كإسرائيل يريد إبعاد إيران وإعادة النظام إلى حدوده، وفتح معبر نصيب، والتخلص من فصائل الجنوب.
أهل درعا أدرى بشعابها، وهم الذين ذاقوا الأمرّين خلال السنوات الثماني، ورأوا كل أشكال القمع والقتل والدمار، مطالبين بموقفٍ يحدّد مصيرهم، كما البيان رقم 3. لا يتمسّك أهل الجنوب، وقد رأوا إخفاقات الفصائل في حلب والغوطة الشرقية، بدرعا كاملة، وربما أخطأوا بالصمت عن استباحة الغوطة، بسبب وهم اتفاق منطقة خفض التوتر، ولم يشاركوا بفتح جبهتهم حينذاك. نعم ربما، وطبعاً يشكل خضوعهم لغرفة الموك (تشكلت عام 2014) حجراً ثقيلاً على صدورهم من قبل. تخلت الآن كل الدول القريبة والبعيدة عن أهل درعا، وكلها تضغط لتسليم المدينة للروس والنظام. المشكلة هنا بالضبط، أي وكما ترغب الدول بإعادة الجنوب إلى 2011، فإن الفصائل وأهل الجنوب عادوا إلى ذلك التاريخ، أي من دون أية تبعية للخارج. الموقف خطير للغاية نعم. ولكن، وبتأمين الأهالي بعيداً عن البلدات، وقرب الحدود، فإن حرباً "شعبية" ممكنة، وهذا فقط سيساعد على تحصيل مقدارٍ أكبر من الحقوق، والاعتراف بما يشبه إدارة ذاتية لأهل درعا على مدينتهم. ومقابل ذلك، يمكن فتح معبر نصيب، وإعادة التمثيل الرمزي للدولة على المدينة وبلداتها.
هناك إمكانية لذلك، كما أوضحت أعلاه، والإمكانية قابلة للتحقق، حتى في غياب اندلاع حرب شعبية في إدلب وأرياف حلب وحمص وحماه خصوصاً؛ أي أن خيار درعا يتطلب رؤية وموقفاً واضحاً يخص رفض التسليم بشكلٍ لا عودة عنه، والتمسّك بشكلٍ ثابت بإدارة ذاتية؛ فهل هذا قابل للتحقق؟ ربما لم يُترك لأهل درعا خيارٌ آخر؛ فإمّا الحرب أو التسليم. تقف روسيا الآن والنظام والدول الصديقة والعدوة مع تسليم سورية، وليس درعا فقط، لروسيا، هذا صحيح، لكن قرار المواجهة يمكن أن يُغير كل المعادلات، وكلفته ستكون كبيرة بالتأكيد. وبكل الأحوال، دفعت الكُلف ثماني سنوات، ولا يضير أهل درعا معركة جديدة، تُحصّلُ بموجبها شروطاً أفضل.
تتعلق الفكرة هنا بأن روسيا لن تدخل حربا مُكلفةً مع مدينة حدودية، وستعمل من أجل تسويةٍ سياسية، وليس حرباً مفتوحة، وكل المداولات الخاصة باللجنة الدستورية وأستانة وسوتشي وجنيف، وربما حل سياسي ما، تدفع نحو تخفيف الحروب، وليس توسيعها. أضيف إلى هذا وذاك: يؤكد التمسك الشكلي الروسي باتفاقية خفض التصعيد عدم حصول توافق كامل مع الأميركان، على الرغم من عدم رفض الآخرين المعركة ضد فصائل الجنوب. والمقصد أن اللقاء المقبل، في هلسنكي في 16 يوليو/ تموز الجاري، بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب، إضافة إلى المداولات السابقة، يؤكّد على ضرورة إيجاد تسويات مع أهل درعا بالتحديد، باعتبار فصائلها قوية، وليست جهادية، ورافضة لجبهة النصرة و"داعش". ولدى درعا عناصر قوة، ويمكن أن تستفيد منها لتعديل شروط التسوية.
روسيا منتشية بالانتصارات، ولا سيما بعد الغوطة، علماً أن ذلك تم بصفقةٍ مع تركيا على عفرين، وبغياب قيادة موحدة للغوطة، وكذلك تمّت استعادة أغلبية المناطق بصفقات مع
الأميركان وتركيا وإيران؛ أي أن روسيا ليست دولةً تقول كن فيكون. ومن هنا، فإن قرار الحوارنة بخوض معركة الاستقلال، مهم ودقيق، كما أعلن فريق إدارة الأزمة. وفي كل الأحوال، لا يمكن الكلام عن تجديد الثورة حالياً بسبب البيان رقم 3، وليس من إمكانية لذلك في كل سورية المحتلة. وكذلك تمّ تمرير الفرص لتشكيل قيادة موحدة لكل سورية عبر السنوات السابقة، وليس من احتمالاتٍ لذلك في الوقت الحالي، وكل مدينة مقطوعة الصلة بالمدن الاخرى. ربما الشروط الروسية العالية ستشدّ من أزر أهل المدينة، وتتشكل مقاومة جذرية، ولا سيما أن "الضفادع" المرتبطين بالنظام ومتلقفي المصالحات والصفقات كشفوا أنفسهم طامحين إلى تحقيق بعض المنافع والأوهام، على حساب استسلام مدينتهم.
درعا وحيدة الآن، وهي تواجه مصيرها كما كانت في بداية 2011، وصلابة فريق إدارة الأزمة تظهر من خلال القرارات الصائبة التي اتخذوها حتى الآن، وهو ما أرجحه لفترةٍ ليست قصيرة، وحتى تحقيق شروط أفضل للتسوية، أما الاستسلام كحال حلب والغوطة وبصرى الشام وبقية الضفادع، فهو مما لا أرجحه أبداً.
لا يريد أهل درعا تحقيق أهداف الثورة الآن، لكنهم يسعون إلى تسوية ٍأفضل، وبما لا يمنع النظام من العودة إلى الحدود وفتح معبر نصيب؛ إنهم يريدون إدارة ذاتية على مدينتهم، وتجنيبها الخضوع مجدّداً لأجهزة الأمن؛ فهل هذا ممكن؟ كل الاحتمالات مفتوحة.
تمت معركة درعا هذه بضوءٍ أخضر أميركي، حيث علّق الأميركان ضمانتهم لاتفاق منطقة خفض التصعيد في الجنوب، والموقع من واشنطن وموسكو أواخر 2017، وأعلنوا أنهم لن يدافعوا عن المدينة، وعلى فصائلها أن تخوض معاركها منفردة. وهناك ضوء أخضر من
أهل درعا أدرى بشعابها، وهم الذين ذاقوا الأمرّين خلال السنوات الثماني، ورأوا كل أشكال القمع والقتل والدمار، مطالبين بموقفٍ يحدّد مصيرهم، كما البيان رقم 3. لا يتمسّك أهل الجنوب، وقد رأوا إخفاقات الفصائل في حلب والغوطة الشرقية، بدرعا كاملة، وربما أخطأوا بالصمت عن استباحة الغوطة، بسبب وهم اتفاق منطقة خفض التوتر، ولم يشاركوا بفتح جبهتهم حينذاك. نعم ربما، وطبعاً يشكل خضوعهم لغرفة الموك (تشكلت عام 2014) حجراً ثقيلاً على صدورهم من قبل. تخلت الآن كل الدول القريبة والبعيدة عن أهل درعا، وكلها تضغط لتسليم المدينة للروس والنظام. المشكلة هنا بالضبط، أي وكما ترغب الدول بإعادة الجنوب إلى 2011، فإن الفصائل وأهل الجنوب عادوا إلى ذلك التاريخ، أي من دون أية تبعية للخارج. الموقف خطير للغاية نعم. ولكن، وبتأمين الأهالي بعيداً عن البلدات، وقرب الحدود، فإن حرباً "شعبية" ممكنة، وهذا فقط سيساعد على تحصيل مقدارٍ أكبر من الحقوق، والاعتراف بما يشبه إدارة ذاتية لأهل درعا على مدينتهم. ومقابل ذلك، يمكن فتح معبر نصيب، وإعادة التمثيل الرمزي للدولة على المدينة وبلداتها.
هناك إمكانية لذلك، كما أوضحت أعلاه، والإمكانية قابلة للتحقق، حتى في غياب اندلاع حرب شعبية في إدلب وأرياف حلب وحمص وحماه خصوصاً؛ أي أن خيار درعا يتطلب رؤية وموقفاً واضحاً يخص رفض التسليم بشكلٍ لا عودة عنه، والتمسّك بشكلٍ ثابت بإدارة ذاتية؛ فهل هذا قابل للتحقق؟ ربما لم يُترك لأهل درعا خيارٌ آخر؛ فإمّا الحرب أو التسليم. تقف روسيا الآن والنظام والدول الصديقة والعدوة مع تسليم سورية، وليس درعا فقط، لروسيا، هذا صحيح، لكن قرار المواجهة يمكن أن يُغير كل المعادلات، وكلفته ستكون كبيرة بالتأكيد. وبكل الأحوال، دفعت الكُلف ثماني سنوات، ولا يضير أهل درعا معركة جديدة، تُحصّلُ بموجبها شروطاً أفضل.
تتعلق الفكرة هنا بأن روسيا لن تدخل حربا مُكلفةً مع مدينة حدودية، وستعمل من أجل تسويةٍ سياسية، وليس حرباً مفتوحة، وكل المداولات الخاصة باللجنة الدستورية وأستانة وسوتشي وجنيف، وربما حل سياسي ما، تدفع نحو تخفيف الحروب، وليس توسيعها. أضيف إلى هذا وذاك: يؤكد التمسك الشكلي الروسي باتفاقية خفض التصعيد عدم حصول توافق كامل مع الأميركان، على الرغم من عدم رفض الآخرين المعركة ضد فصائل الجنوب. والمقصد أن اللقاء المقبل، في هلسنكي في 16 يوليو/ تموز الجاري، بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب، إضافة إلى المداولات السابقة، يؤكّد على ضرورة إيجاد تسويات مع أهل درعا بالتحديد، باعتبار فصائلها قوية، وليست جهادية، ورافضة لجبهة النصرة و"داعش". ولدى درعا عناصر قوة، ويمكن أن تستفيد منها لتعديل شروط التسوية.
روسيا منتشية بالانتصارات، ولا سيما بعد الغوطة، علماً أن ذلك تم بصفقةٍ مع تركيا على عفرين، وبغياب قيادة موحدة للغوطة، وكذلك تمّت استعادة أغلبية المناطق بصفقات مع
درعا وحيدة الآن، وهي تواجه مصيرها كما كانت في بداية 2011، وصلابة فريق إدارة الأزمة تظهر من خلال القرارات الصائبة التي اتخذوها حتى الآن، وهو ما أرجحه لفترةٍ ليست قصيرة، وحتى تحقيق شروط أفضل للتسوية، أما الاستسلام كحال حلب والغوطة وبصرى الشام وبقية الضفادع، فهو مما لا أرجحه أبداً.
لا يريد أهل درعا تحقيق أهداف الثورة الآن، لكنهم يسعون إلى تسوية ٍأفضل، وبما لا يمنع النظام من العودة إلى الحدود وفتح معبر نصيب؛ إنهم يريدون إدارة ذاتية على مدينتهم، وتجنيبها الخضوع مجدّداً لأجهزة الأمن؛ فهل هذا ممكن؟ كل الاحتمالات مفتوحة.