ولم يصدر عن الحكومة الفلسطينية أو حركة "فتح" التي تنتمي غالبية المحالين للتقاعد إليها، توضيحات بشأن القرار. إذ فوجئ الآلاف من الموظفين، الخميس الماضي، بقرار إحالتهم للتقاعد المبكر، رغم عدم وصولهم لسنّ التقاعد بعد.
ونقلت صحف فلسطينية محلية عن مصادر داخل هيئة التقاعد الفلسطينية، قولها إن قرار التقاعد الأخير، طاول 7280 موظفاً عسكرياً، 5280 منهم من غزة، بينما سيتقاعد 2000 عسكري في الضفة الغربية، موضحة أنهم سيحصلون على نسبة 70% من الراتب الأساسي.
وهذه الدفعة الثانية التي تتم إحالتها للتقاعد، حيث قررت الحكومة، خلال جلستها في مدينة رام الله بالضفة الغربية في 4 يوليو/ تموز الماضي، إحالة 6 آلاف و145 موظفاً إلى التقاعد المبكر.
ووفق نقابة الموظفين بغزة، فإن عدد الموظفين العسكريين (يتبعون للأجهزة الأمنية)، الذين أحالتهم السلطة الفلسطينية للتقاعد، بلغ حتّى اللحظة حوالي 14 ألف موظّف.
وانتقد عارف أبو جراد، نقيب موظفي السلطة الفلسطينية بغزة، القرار بشدة.
وقال أبو جراد، لوكالة "الأناضول": "الحكومة ترتكب جريمة بحق موظفيها في القطاعين العسكري والمدني بغزة".
وتابع: "نعتبر قانون التقاعد الأخير جريمة ترتكب بحق موظفي غزة، الموظفين الذين التزموا بقرار الشرعية الفلسطينية، الذي طالبنا بالاستنكاف عن ممارسة أعمالنا عقب أحداث الانقسام".
وكانت الحكومة الفلسطينية قد طلبت من موظفيها في قطاع غزة التوقف عن العمل عقب سيطرة حركة حماس على القطاع في يوليو/تموز 2007، لكنها بقيت تدفع رواتبهم الشهرية.
واتهم أبو جراد السلطة الفلسطينية بـ"التفريط بحقوق موظفيها بغزة، وعدم الحفاظ عليها".
ويتابع مستكملاً: "كما أنه لا توجد معايير يتم على أساسها إحالة الموظفين للتقاعد، فنجد المتقاعدين من أصحاب الرتب العليا، أو حتى من الجيل الشاب ذي الثلاثين عاماً. الأمر غير مفهوم إطلاقاً".
ويقول إن آثار هذا القرار ستكون "كارثية" على قطاع غزة، وعلى العائلات التي يُعيلها أولئك المتقاعدون.
وأضاف: "سيُحال المتقاعدون إلى سوق البطالة الجديد، وخاصة أن قطاع غزة يفتقر لأدنى مقومات الحياة الأساسية".
ويتخوف الآلاف من الموظفين الذين تمت إحالتهم للتقاعد من عدم قدرتهم على الإيفاء بالتزاماتهم تجاه عوائلهم، أو التزاماتهم المالية، وخاصة أن "المئات منهم يسددون قروضاً مصرفية"، بحسب أبو جراد.
ويضيف: "ستسوء أوضاع المتقاعدين الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، ولن يتمكن الكثيرون منهم من إرسال أبنائهم للجامعات أو المدارس".
ويرجح مازن العجلة، الخبير الاقتصادي، أن تصل أعداد المتقاعدين من العسكريين في قطاع غزة إلى نحو 18 ألف موظف، وذلك حتّى بداية إبريل/ نيسان المقبل (تاريخ انتهاء العمل بقرار قانون التقاعد المبكّر).
وأوضح الخبير في الشأن الاقتصادي أن قرار تقاعد الموظفين في القطاع العسكري له بُعد مالي، وليس سياسياً.
وقال العجلة: "قبل نحو عامين، تم الاتفاق بين السلطة الفلسطينية والمؤسسات الدولية والمانحين والاتحاد الأوروبي على ضرورة تقاعد عدد من الموظفين الأمنيين لمعالجة العجز في فاتورة الرواتب".
ولفت إلى أن السلطة الفلسطينية وافقت على قرار "التقاعد المبكّر" سابقاً، إلا أن تنفيذه تم تأجيله بسبب ظروف الانقسام. ووصف العجلة الموظفين العسكريين في قطاع غزة بـ"الحلقة الأضعف"، حيث وقع اختيار الحكومة عليهم لترشيد نفقاتها.
وحسب الخبير الاقتصادي الفلسطيني، فإن إقالة الموظفين الأمنيين بغزة للتقاعد لها نتائج سلبية على القطاع الأمني، إذ إنهم يشكّلون ثروة معرفية ولديهم تراكم للخبرات.
وقال: "أولئك الموظفون غالبيتهم من خريجي أكاديميات عسكرية وأمنية كبيرة، سواء في دول عربية أو أخرى أجنبية، لديهم خبرات وإمكانيات هائلة ستُحرم منها الحكومة".
وذكر العجلة أن المساعدات المالية الدولية لميزانية السلطة تراجعت من مليار و800 مليون عام 2008، إلى نصف مليار في عام 2016.
وأضاف مستكملاً: "من ثم لا توجد إيرادات جديدة، الحل الوحيد الذي أوجدته الحكومة لنفسها يكمن في تقليص فاتورة الرواتب".
وبيّن العجلة أن تقاعد آلاف الموظفين سيؤثر على أوضاع عائلاتهم الاجتماعية والاقتصادية، ويفاقم من المعاناة الإنسانية.
ومن جانب آخر، يرى العجلة أن لقرار "التقاعد المبكّر" جانباً إيجابياً، يتمثل في "فتح المجال لتوظيف العاطلين من العمل".
وقال: "في الفترة المقبلة غالباً ما تحتاج السلطة لكوادر جديدة، وهذا التقاعد يفتح الباب أمام العاطلين من العمل، وتجنيد جيل شاب وتدريبهم وتأهيلهم".
وأضاف: "إن السلطة تسعى لإنشاء أجهزة شابة من الجيل الجديد تابعة لها بشكل كامل".
وتسلمت الحكومة بداية الشهر الجاري، إدارة معابر قطاع غزة من حركة حماس، حسبما ينص اتفاق المصالحة الذي وقعته مع حركة فتح في 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في القاهرة.
وينص الاتفاق على أن تتسلم الحكومة كامل المسؤوليات عن قطاع غزة في موعد أقصاه بداية ديسمبر/كانون الأول المقبل.
(الأناضول، العربي الجديد)