آلاف الأسر الليبية بلا رواتب

16 نوفمبر 2019
الفقر ينعكس عليهما (غيلز كلارك/ Getty)
+ الخط -

انقطاع الرواتب منذ نحو خمس سنوات يفاقم معاناة الليبيين العاجزين عن تأمين قوت يومهم. ويتكل بعضهم على ما يتوفر من مساعدات

كشفت مراسلات وتصريحات لمسؤولين ليبيين النقاب عن انقطاع رواتب نحو ربع مليون أسرة ليبية منذ خمس سنوات، تعيش على عوائد شهرين من محافظ استثمار مودعة في أحد الصناديق الاستثمارية الليبية. ويقول الصحافي الليبي محمد عمر بعيو: "نحو ربع مليون عائلة ليبية محرومة منذ خمس سنوات من حقها في العوائد الشهرية لمحافظهم الاستثمارية بصندوق الإنماء الاقتصادي والاجتماعي"، مؤكداً أنها أسهم ملكية وليست مساعدات.

وأظهرت مراسلة وجهتها رابطة منتسبي صندوق الإنماء، وهي رابطة أهلية، إلى الهيئة العامة للأوقاف وشؤون الزكاة، في يوليو/ تموز الماضي، أن رواتب تلك العائلات متوقفة منذ يناير/ كانون الثاني منذ عام 2014، مطالبة صندوق الزكاة بتقديم المساعدة لآلاف الأسر التي "عجز بعضها عن توفير رغيف الخبر".
ولفتت الرسالة إلى أن بعض هذه العائلات تعيش النزوح بسبب الحرب الدائرة جنوب طرابلس، ما يزيد من معاناتهم.

ويؤكد عمر الشبلي، أحد أعضاء الرابطة، تلك المعلومات، مشيراً إلى أن أسرته المكونة من سبعة أفراد لم تتقاض ديناراً واحداً من حوافظها الاستثمارية التي أوقفت منذ سنوات دونما سبب معلن من قبل صندوق الإنماء.

وعن كيفية تدبيره معيشة أسرته، يقول إنه "يعمل على سيارته الخاصة لنقل الناس"، بينما تدير زوجته وابنتيه أشغالاً منزلية تدر عليهم بعض الدنانير. ويشير لـ "العربي الجديد" إلى أنه على الرغم من سوء حاله، إلا أنه ما زال أفضل من غيره. ويقول: "أعرف أسراً لا مأوى لها وتتسول قوت يومها، وتضطر إلى دفع بدل إيجار شهري، وتعمل في أعمال عدة".



ومنذ تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، برزت ظاهرة تراجع الوضع الاقتصادي لدى الأسر الليبية. وكشف مدير مركز الدراسات الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية بحكومة الوفاق علي فرحات، عن نسبة صادمة للأسر التي تعيش تحت خط الفقر. وقال في تصريح صحافي مطلع مارس/ آذار الماضي إن "45 في المائة من العائلات الليبية تعيش تحت خط الفقر، في قفزة قياسية هذا العام في مقابل 29 في المائة عام 2009".

وفي وقت أرجع المسؤول في الوزارة أسباب ارتفاع نسبة الفقر في البلاد إلى "تردي الأوضاع المعيشية، وعوامل التهجير والنزوح خلال الأعوام التي تلت الثورة"، تؤكد الباحث الاقتصادية ملاك بريني أن "توقف التنمية وتردي الأوضاع الاقتصادية جعل الطبقة الوسطى التي تعتبر أوسع الشرائح في البلاد تتلاشى وتنضم إلى طبقة الفقراء"، محذرة من أن استمرار غياب السيولة النقدية في المصارف، وارتفاع الأسعار، وتردي الأوضاع الأمنية، واستمرار الحروب، سيؤدي إلى زيادة نسبة الفقراء في البلاد.

يحاولون تأمين قوت يومهم (محمود تركية/ فرانس برس) 


وعلى الرغم من إطلاق حكومة الوفاق حزمة إصلاحات اقتصادية كبيرة منذ نهاية العام الماضي، ترى بريني أنها لم تلامس أوضاع المواطنين من هذه الطبقة. وتوضح لـ "العربي الجديد" أن "الإصلاحات شملت في معظمها أسعار العملة الصعبة لتوريد البضائع من الخارج، لكنها بعد مرور أشهر لم تخفض الأسعار، ولم ينعكس برنامج الإصلاح على المصارف وثقة المواطن فيها ليودع فيها أمواله، بل زادت حدة غياب السيولة".

ولا يتحدث الشبلي عن مشكلته وآلاف الأسر التي تعيش المشاكل نفسها من واقع غياب السيولة وارتفاع الأسعار، بل يستغرب عدم تعاطي صندوق الإنماء مع مطالبه لتوضيح أسباب توقف صرف رواتبهم. ويقول: "من دون أي استجابة أو حتى بيان رسمي من قبل الصندوق أو الحكومة، توقفت رواتبنا". ويؤكد أن عائلات أتت تعيش حالة العوز والفقر الحقيقي. 
وينقل الشبلي عن أحد الاجتماعات تأكيد أعضاء الرابطة أن أسرة في الجنوب عاشت أشهر تسكن سيارة رب الأسرة المتهالكة قبل أن تعمد جمعيات خيرية لتوفير سكن لها.
أما عبد الجليل الشمام، المستفيد أيضا من مرتبات صندوق الإنماء، فيعمل أجيرا في ورشة حدادة بعد أن اضطر لتعلمها على يد صاحب الورشة لأشهر، وقال متحدثا لـ "العربي الجديد" أنه "مضطر بعد أن أحيل ضمن الآلاف من المواطنين بقرارات حكومية من أعمالهم إلى صندوق الإنماء لاستفادة من محافظها الاستثمارية، وقال "الآن أوضاعنا غير معروفة، فلسنا محسوبين على الوظائف الحكومية، رغم أن أسماءنا مدرجة في ملاكات الدولة ومحسوبة على الميزانيات التي تصرف بالملايين سنويا".



ويعيش الشمام في منزل قديم ورثه عن والده في منطقة مسلاته بعدما فقد بيته في منطقة وادي الربيع التي تعد مسرحاً للمعارك حالياً، موضحاً أنه يحمد الله لأن والده ترك له منزلاً قديماً جداً، استطعت إيواء أسرتي فيه، فيما يعيش آخرون على مساعدات أهل الخير".

وتعكس المساعدات التي تقدمها الجمعيات الخيرية، بحسب منشورات رابطة منتسبي صندوق الإنماء على صفحتها الرسمية، حجم المعاناة التي تعيشها شريحة المستفيدين من حوافظ الاستثمار. وتشير في إحدى منشوراتها إلى تلقي 123 أسرة مساعدات من جمعيات خيرية. وفي إحدى اجتماعاتها قبل عام، أشارت إلى وجود أكثر من 10 آلاف أسرة مستفيدة من حوافظ الاستثمار موزعة بين ست مدن في غرب ليبيا، تعاني غالبيتها من جراء الفقر والحاجة. وسعت "العربي الجديد" إلى التواصل مع مسؤولي صندوق الإنماء من دون أن تجد رداً.