"14 إلا خمس دقائق": حين مرّت الثورة من تونس

15 يناير 2019
(من المعرض)
+ الخط -

ما تختلف فيه الروايات الشفوية أو المكتوبة، يمكن للصور أن تعيد سرده على نحو أقل من التجاذب. وإذا كانت الثورة التونسية قد عرفت روايات عدّة خصوصاً مع تصاعد التجاذب السياسي، فإن الصورة، من فوتوغرافيا وفيديوهات توثّق الاحتجاجات والقمع، تبقى أكثر قرباً من الواقع وأقدر على إعادة تركيب مشهد ما حدث والتأكيد بأن ثورة شعبية مرّت من تونس.

من هذا المنطلق، عمل فريق من المؤرّخين والموثقين بدعم من وزارة الثقافة التونسية على جمع الأرشيف السمعي البصري المتعلّق بالانتفاضة التي اندلعت نهاية عام 2010، وعرضها في "متحف باردو" في تونس العاصمة تحت عنوان "14 إلا خمس دقائق" ضمن الاحتفالات بالذكرى الثامنة للثورة.

يقوم المعرض على عرض أحداث الثورة بتسلسل زمني، لكنّه لا يؤرّخ لقرابة شهر من الاحتجاجات فقط، بل يعود الى زمني حكم الرئيسيْن السابقيْن الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي في إضاءات لجذور الاحتجاجات.

على جدران "متحف باردو"، وفي غرف عرض داخله، تَعرضُ شاشاتٌ التقارير التلفزيونية التي بثتها قنوات معارضة، وحتى الرسمية منها، حول الاحتجاجات في الفترة الممتدة من 17 كانون الأول/ ديسمبر 2010، تاريخ إضرام محمد البوعزيزي النار في جسده احتجاجاً على الاعتداء البوليسي عليه، وهو الشرارة التي أطلقت للثورة، وصولاً إلى يوم 14 كانون الثاني/ يناير 2011 مع الإعلان عن هرب بن علي وعائلته إلى خارج البلاد. كما عُلّقت صور للشهداء والجرحى مرفقة بما كتب عنها في جرائد النظام والمعارضة معاً.

يقدّم المعرض، أيضاً، تسجيلات تضمّن بعضها عمليات القنص وقمع المتظاهرين. أمام هذه الصور، تقف عائلات الشهداء وهي تسترجع ذكريات مؤلمة. في حديث إلى "العربي الجديد"، تقول والدة شهيد الثورة مجدي المنصري: "لا يمكن أن يكون هذا المعرض إلا جزءاً من رد الاعتبار وإنعاش الذاكرة" معتبرة أنه يقدّم أرشيفاً وطنياً يسرد حكاية الثورة وجزءاً من تاريخ تونس حين يضيء اللحظة التي أهدتها الحرية والانعتاق.

ترى والدة الشهيد أن البادرة مهمة باعتبار أنها "ستقدّم لأجيال لم تحضر الثورة توثيقاً لأحداثها، وتعلّمهم معنى التضحية من خلال الرسالة التي قدّمها الشهداء والجرحى آنذاك: الدم لقاء الحرية، إضافة إلى تذكير السلطة القائمة بأن الصفحة لم تطو بعد وما تزال العائلات بانتظار الإنصاف المعنوي عبر نشر قائمة الشهداء والجرحى".

يلتقي ذلك مع شعور عام في تونس بأن شعارات الثورة قد نُسيت وتم تجاهلها، وهذا الشعور هو أحد منطلقات إقامة معرض "14 إلا خمس دقائق". تقول الفنانة المسرحية فاطمة سعيدان لـ"العربي الجديد" في هذا الصدد: "إن جمع الأرشيف الرقمي جانب من مجهودات حفظ الثورة نفسها، والتذكير بأن هناك من رفضوا الظلم والاستبداد وضحّوا من أجل الحرية".

تضيف "رغم اختلاف التكييفات والتسميات لهذا الحدث وبصرف النظر عن المؤمنين به ومتجاهليه، فإن الصور تغني عن هذا الجدل وتبيّن أن ثورةً قد حصلت وتركت أثرها وحققت مكتسبات ولا تزال أخرى بانتظار التحقّق".

المساهمون