يبدو أننا سنغير في اغنية فيروز الشهيرة :"يا مختار المخاتير باحكيلك الحكاية" لتصبح" يا مختارة المخاتير باحكيلك الحكاية" فقد فرضت "المختارة" (مصلحة اجتماعية) نفسها في قطاع غزة، بعدما كان هذا العمل محصوراً بالرجال. ورغم إثبات قدرتها على حلحلة الكثير من المشاكل العائلية، وخصوصاً تلك التي تخص النساء، لا تزال عرضة للنقد، وأحياناً الرفض.
بدأت المختارة فاتن حرب (40 عاماً)، وهي متزوجة وأم لأربعة أطفال، ممارسة مهنة الإصلاح ضمن عائلتها الكبيرة. وبعدما نجحت في حل العديد من المشاكل، وثقت بها النساء وصرن يلجأن إليها لنيل حقوقهن.
لا يشغل حرب لقب "مصلحة اجتماعية" أو "مختارة". فالأهم بالنسبة إليها هو الهدف الذي تتشارك به مع زميلاتها من سيدات الإصلاح. تقول: "يغلب على المجتمع الفلسطيني الطابع القبلي والعشائري"، مشيرة إلى أن "كلمة مختارة لا تزال غريبة على الغزيين، الذين اعتادوا أن يكون هذا العمل محصوراً بالرجل فقط". وتلفت في الوقت نفسه إلى أنه "بعدما نجحت المرأة في ابراز قضاياها خلال السنوات القليلة الماضية، صار الباب مفتوحاً أكثر لمشاركة أوسع للنساء في حلّ المشاكل الاجتماعية والخلافات العائلية، وخصوصاً حين يكنَّ طرفاً في أي نزاع". وتلفت إلى أن "وجود مختارة شجع النساء على البوح بمشاكلهن".
تُشارك المختارة سمية الحنفي حرب رأيها، لناحية قدرة "المختارة" على تفهّم مشاكل النساء. وتقول إنها "استطاعت مواجهه مجتمع مثقل بالموروثات الاجتماعية، ومقيد بالعادات والتقاليد". وتعزو ذلك إلى "الدعم القوي من الزوج والعائلة، ما ساعدها على العمل كمصلحة والمساعدة في حل أزمات اجتماعية".
اختلفت الصورة النمطية للمختار اليوم. بات أكثر اطلاعاً بالأمور القانونية والحياتية، وذا خبرة بمهارات التحكيم والوساطة. الحنفي التي تعرف عن نفسها "بسيدة مجتمع"، تقول إنها "أثبتت نجاحها كمختارة بعد حل أوّل مشكلة واجهتها، لتتوالى عليها المهام بتكليف من النساء، ما عزز ثقتها بقدراتها". وترى أن وجود "المختارة في غزة ساهم في إعادة الحقوق بعض الشيء إلى المرأة، وخصوصاً أن بعض الحلول العشائرية القديمة غالباً ما كانت تصب في مصلحة الرجل".
رفض
في بداية عملها كـ "مختارة"، واجهت أم محمد انتقادات عدة من المخاتير الرجال، الذين رفضوا تأنيث اللقب، متسائلين إن كان الرجال قد انقرضوا. لكنها أصرت على مواصلة مهامها ومعالجة قضايا النساء وفق الأصول القانونية والحقوقية والإنسانية. وتشير إلى أنها "باتت أكثر اطلاعاً اليوم على حقوق المرأة الفلسطينية، وقانون الأحوال الشخصية (الحضانة، الميراث)، والعلاقات الزوجية وغيرها، حتى إنها أتقنت الكثير من مهارات التفاوض وحل النزاعات".
وتشدد أم محمد على أن "دور المختارة ليس بديلاً عن المختار، بل مكملاً، وخصوصاً أننا لا نتدخل في حلحلة الخلافات العائلية، بل نركز على معالجة مشاكل المرأة فقط". وتطالب "الجهات الحكومية بالاعتراف بها وبغيرها من المختارات، كجهة معتمدة لحل المشاكل الأسرية".
سخرية... وانجاز
قوبلت المختارة أم ماجد حسونة (60 عاماً) بكثير من الاستهزاء والسخرية في بداية عملها، من قبل رجل أعلمته بأنها "سيدة إصلاح"، وتسعى للتدخل بينه وبين زوجته لحل مشكلة بقيت قائمة لسنوات. نظرة ما لبثت أن انقلبت إلى احترام وتقدير، بعدما تمكنت من حل المشكلة، ما منحها ثقة كبيرة بنفسها.
وتوضح حسونة أنها "لا تمانع في مقابلة الرجل حين يكون طرفاً في المشكلة بحضور زوجته، على عكس رجال الإصلاح الذين يصطدمون بحواجز العادات والتقاليد وعدم قدرتهم على الحديث مباشرة مع السيدة صاحبة المشكلة". وتضيف أنها "خضعت للتدريب على آليات التفاوض وضبط جلسات المتخاصمين وبعض القوانين المتعلقة بحقوق النساء، إضافة إلى وسائل تقريب وجهات النظر وأساليب الإقناع".
وترى حسونة أنه "طالما نجحت بعض النساء في هذه المهمة، فلماذا لا يلقبن بالمختارات؟"، منتقده الجهات الرسمية والأهلية "بسبب ضعف تقديم الدعم، رغم ما حققنه من إنجازات".