02 نوفمبر 2024
"وينو البترول".. عندما تقود "النت" السياسة
تشكل حملة "وينو البترول" التونسية نموذجا لقدرة الحملات الإلكترونية على إرباك السياسة والإعلام، وإرغامهما على مقاربة قضايا خارج اهتمام الفريقيْن أو أولوياتهما. ولعل الجدل الواسع الذي أثارته الحملة يظهر استمرار الإعلام الحديث منبراً رئيسياً للخطاب الذي لا يجد صوتا له في الإعلام التقليدي، لخروجه عن المتوافق عليه، أو المقبول التعبير عنه، على الرغم من انفتاح الإعلام التونسي التقليدي، وتحريره من قيود نظام بن علي.
عكست حملة "وينو البترول" الانقسام العميق للمجتمع التونسي، بين من يرى في العملية السياسية، على قصورها، المنقذ الوحيد للبلاد من شبح فوضى البلدان المجاورة، ومن يعتقد أن الثورة لم تحقق أهدافها، لذا لا بد من تصفيتها من إرباكاتها، لا سيما وأنها لم تتصدَّ للمشكلات التي كانت في جوهر قيامها، وأبرزها الفساد.
شكلت الحملة الإلكترونية مناسبة لإعادة إنتاج الانقسام المجتمعي على قاعدة جديدة هذه المرة، لا بين الإسلاميين والعلمانيين، كما كانت عليه الحال، في ظل حكومة الترويكا، بزعامة حزب (حركة) النهضة الإسلامي، بل بين من يرى أن تأييد مشروع الدولة يفترض الامتناع عن التظاهر وإثارة القلاقل، في وضع تتعرض فيه البلاد لخطر الإرهاب الداهم، وبين من يرى في السياسة، بائتلافاتها الجديدة، غير المتوائمة، شكلاً جديداً لإعادة إنتاج الفساد السابق في شكل أكثر اتساعا.
من يقف وراء الحملة؟ راديكاليو اليسار؟ مناصرو سياسي خسر الانتخابات، ويريد أن ينتقم من خروجه من اللعبة السياسية؟ إسلاميون متطرفون يريدون إفشال خطة الحكومة في مكافحة الإرهاب والتغطية على نجاحاتها في هذا المجال؟ مواطنون ضاقوا ذرعا بانسداد سبل العيش، وقصور الديموقراطية عن تحسين ظروف معاشهم؟ أولئك الذين خاب أملهم في قدرة النظام الجديد على معالجة إرث النظام القديم، وخصوصا الفساد المتجذر في جسد السياسة؟
أثارت الحملة موجة إلكترونية موازية، سخرت من أحلام الباحثين عن النفط، عنوانها "وينو مخك؟" وفي عرف الساخرين أن الحملة أوهمت الشعب التونسي أنه يعوم على بحر من البترول، لتحريض الناس ضد الحكومة لأغراض سياسية، في حين يرى أنصار الحملة "المشاغبة" أن الهدف ليس البترول بحد ذاته، بل إرغام الحكومة على الشفافية في كشف واقع استثمار ثروات البلاد، وخصوصا في مجال الطاقة.
وقد أعادت الانقسامات التي سببتها الحملة إنتاج الخطاب الذي يرطن به الإعلام المصري، ليل نهار، ولو أنه بقي نسبيا في حدود الشبكة الإلكترونية: عملاء الخارج، أنصار الفتنة والمؤامرة، المرتهنون لأطراف مجهولة. إنه، إذن، التنافس على لقب التونسي الوطني: من الأكثر وطنية؟ الداعون إلى التهدئة باسم الوفاق الوطني، ولو على مضض؟ الخائبون من نتائج الثورة، الداعون إلى تجديدها؟ المتلهفون إلى عودة "هيبة الدولة" على صورة الحنين للنظام السابق، بعدما باتت الإضرابات عن العمل واقعاً يومياً، يعرقل عجلة الاقتصاد في البلاد؟
قد لا تقود الحملة الإلكترونية، والجدل حولها، إلى جواب شاف لمشكلة الفساد المزعومة في استغلال الطاقة في البلاد، إلا أنها أعادت بعض الوهج إلى شعارات العدالة الاجتماعية، والقضاء على الفساد التي كانت في صلب ثورة الياسمين، بعيدا عن جدل السياسة الذي سيطر على السنوات الثلاث ما بعد الثورة، في وقت بات الانقسام الراهن بين الأصوات المحافظة الداعية إلى الاستمرارية، بالحد الأدنى من التوافق، والأصوات الراديكالية الداعية إلى تغيير جذري، يسمح بحكومةٍ، ذات لون سياسي، تنفذ سياسات واضحة وفاعلة وغير وسطية.
ببترول أو بدونه، أرغمت الحملة المسؤولين التونسيين، على اختلاف مشاربهم، على الخروج من صمتهم، كما أرغمت الحكومة على الاعتراف بأحقية مطلب الشفافية، من دون تأييد الحملة التي ترى فيها الحكومة تضليلاً للمواطنين. ولعل رد فعل قوى الأمن العنيفة في مهاجمة المتظاهرين من ناشطي الحملة، واعتقال بعضهم، ومحاولة منع وقفاتهم الاحتجاجية يؤكد الإرباك الكبير الذي أثارته الحملة.
شكلت الحملة مناسبة لعودة خطاب التخوين والانقسام بين من هو مع الدولة ومن هو ضد الدولة، إلا أن رمزية الحملة تتجاوز هذا الاختزال المبسط، وتعيد تذكير رجال السياسة بقصور السياسات الحكومية عن تحقيق مطالب العدالة الاجتماعية واستمرار اللاتوازن في توزيع الثروات الوطنية بين مناطق الجنوب التي تغلي بالاحتجاجات المطلبية والمركز. كما تعيد الحملة تذكير الإعلام التقليدي بأن هنالك ما هو أهم بكثير من برامج السياسيين وجدلهم على منابر "التوك شو".
شكلت الحملة الإلكترونية مناسبة لإعادة إنتاج الانقسام المجتمعي على قاعدة جديدة هذه المرة، لا بين الإسلاميين والعلمانيين، كما كانت عليه الحال، في ظل حكومة الترويكا، بزعامة حزب (حركة) النهضة الإسلامي، بل بين من يرى أن تأييد مشروع الدولة يفترض الامتناع عن التظاهر وإثارة القلاقل، في وضع تتعرض فيه البلاد لخطر الإرهاب الداهم، وبين من يرى في السياسة، بائتلافاتها الجديدة، غير المتوائمة، شكلاً جديداً لإعادة إنتاج الفساد السابق في شكل أكثر اتساعا.
من يقف وراء الحملة؟ راديكاليو اليسار؟ مناصرو سياسي خسر الانتخابات، ويريد أن ينتقم من خروجه من اللعبة السياسية؟ إسلاميون متطرفون يريدون إفشال خطة الحكومة في مكافحة الإرهاب والتغطية على نجاحاتها في هذا المجال؟ مواطنون ضاقوا ذرعا بانسداد سبل العيش، وقصور الديموقراطية عن تحسين ظروف معاشهم؟ أولئك الذين خاب أملهم في قدرة النظام الجديد على معالجة إرث النظام القديم، وخصوصا الفساد المتجذر في جسد السياسة؟
أثارت الحملة موجة إلكترونية موازية، سخرت من أحلام الباحثين عن النفط، عنوانها "وينو مخك؟" وفي عرف الساخرين أن الحملة أوهمت الشعب التونسي أنه يعوم على بحر من البترول، لتحريض الناس ضد الحكومة لأغراض سياسية، في حين يرى أنصار الحملة "المشاغبة" أن الهدف ليس البترول بحد ذاته، بل إرغام الحكومة على الشفافية في كشف واقع استثمار ثروات البلاد، وخصوصا في مجال الطاقة.
وقد أعادت الانقسامات التي سببتها الحملة إنتاج الخطاب الذي يرطن به الإعلام المصري، ليل نهار، ولو أنه بقي نسبيا في حدود الشبكة الإلكترونية: عملاء الخارج، أنصار الفتنة والمؤامرة، المرتهنون لأطراف مجهولة. إنه، إذن، التنافس على لقب التونسي الوطني: من الأكثر وطنية؟ الداعون إلى التهدئة باسم الوفاق الوطني، ولو على مضض؟ الخائبون من نتائج الثورة، الداعون إلى تجديدها؟ المتلهفون إلى عودة "هيبة الدولة" على صورة الحنين للنظام السابق، بعدما باتت الإضرابات عن العمل واقعاً يومياً، يعرقل عجلة الاقتصاد في البلاد؟
قد لا تقود الحملة الإلكترونية، والجدل حولها، إلى جواب شاف لمشكلة الفساد المزعومة في استغلال الطاقة في البلاد، إلا أنها أعادت بعض الوهج إلى شعارات العدالة الاجتماعية، والقضاء على الفساد التي كانت في صلب ثورة الياسمين، بعيدا عن جدل السياسة الذي سيطر على السنوات الثلاث ما بعد الثورة، في وقت بات الانقسام الراهن بين الأصوات المحافظة الداعية إلى الاستمرارية، بالحد الأدنى من التوافق، والأصوات الراديكالية الداعية إلى تغيير جذري، يسمح بحكومةٍ، ذات لون سياسي، تنفذ سياسات واضحة وفاعلة وغير وسطية.
ببترول أو بدونه، أرغمت الحملة المسؤولين التونسيين، على اختلاف مشاربهم، على الخروج من صمتهم، كما أرغمت الحكومة على الاعتراف بأحقية مطلب الشفافية، من دون تأييد الحملة التي ترى فيها الحكومة تضليلاً للمواطنين. ولعل رد فعل قوى الأمن العنيفة في مهاجمة المتظاهرين من ناشطي الحملة، واعتقال بعضهم، ومحاولة منع وقفاتهم الاحتجاجية يؤكد الإرباك الكبير الذي أثارته الحملة.
شكلت الحملة مناسبة لعودة خطاب التخوين والانقسام بين من هو مع الدولة ومن هو ضد الدولة، إلا أن رمزية الحملة تتجاوز هذا الاختزال المبسط، وتعيد تذكير رجال السياسة بقصور السياسات الحكومية عن تحقيق مطالب العدالة الاجتماعية واستمرار اللاتوازن في توزيع الثروات الوطنية بين مناطق الجنوب التي تغلي بالاحتجاجات المطلبية والمركز. كما تعيد الحملة تذكير الإعلام التقليدي بأن هنالك ما هو أهم بكثير من برامج السياسيين وجدلهم على منابر "التوك شو".