تشهد شبه جزيرة سيناء المصريّة، تحوّلات كبيرة منذ انطلاق العمليات العنيفة على أرضها في عام 2004، على مستوى المجموعات الجهاديّة المنتشرة فيها، لا سيّما التدريب والتخطيط والتواصل مع تنظيمات جهادية عالمية. وتبلغ الإثارة الإعلاميّة أقصاها مع ادّعاء هذه المجموعات قدرتها على إقامة "ولاية إسلامية"، تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية"، (داعش).
وكانت جماعة "أنصار بيت المقدس" قد أعلنت مبايعة تنظيم "داعش"، قبل نحو شهر تقريباً، بالتزامن مع زيادة فعالية العمليات ضد الجيش والشرطة. وعلى خطى تنظيم "داعش"، استهدفت الجماعة خبير بترول أميركي، في الصحراء الغربيّة، من دون أن تحدّد سبب قتله أو متى أو كيف، مكتفية بإعلان مسؤوليتها فقط، مع نشر صورة لهويّة الخبير.
عباءة القاعدة
قبل ظهور "داعش" بهذا الشكل الملفت، العام الماضي، والذي صاحبته ضجّة كبيرة على الساحة الجهاديّة العالميّة، كانت معظم التنظيمات الجهاديّة المحليّة التي نشأت داخل بعض الدول العربيّة والإسلاميّة، مرتبطة بشكل أو بآخر بتنظيم القاعدة، بيد أنّ ظهور "داعش" سحب البساط من تحت أقدام "القاعدة"، وخصوصاً عقب إعلان الخلافة الإسلاميّة وتنصيب أمير التنظيم أبو بكر البغدادي، خليفة للمسلمين، على حدّ قولهم.
وتحوّلت جماعات في دول عدّة إلى مبايعة "داعش" والبغدادي، ومن بينها جماعة "أنصار بيت المقدس" في مصر، المتمركزة في سيناء، والتي غيّرت اسمها إلى "ولاية سيناء". فالجماعة التي نشأت على أنقاض تنظيم "التوحيد والجهاد"، في العقد المنصرم من القرن الحالي، المعروف بارتباطه الفكري والتنظيمي بتنظيم "القاعدة"، فاجأت الجميع بإعلان البيعة لتنظيم "داعش".
ويقول باحث في شؤون الحركات الإسلاميّة والجهاديّة، إنّ "جماعة أنصار بيت المقدس" تحوّلت إلى تنظيم الدولة منذ فترة طويلة، حتى قبل إعلان البيعة للبغدادي، لافتاً إلى أن ذلك "بدا واضحاً من التحوّل الفكري للتنظيم، فأطلقت الجماعة اليد في التكفير، وطالت فئات عديدة، مثل تكفير الجيش المصري والشرطة بالجملة، من دون النظر إلى عدم تورّط عدد كبير من الجيش في الدماء أو القتل". ويوضح أنّ "تنظيم الدولة هو الآخر، يكفّر الجيش المصري كليّاً، ويعتبره جيش ردة، على خلاف "تنظيم القاعدة"، الذي لم يكفّر الجيش المصري"، لافتاً إلى أنّ "تنظيم الدولة بات نموذجاً مبهراً لكافة الشباب الذين يحملون الفكر الجهادي للانضمام إليه، خصوصاً مع تحقيقه حلم "الخلافة".
الارتباط التنظيمي
وفي سياق متصّل، تشير مصادر جهادية، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "جماعة بيت المقدس بايعت البغدادي منذ فترة طويلة، ولكنّها لم تعلن ذلك حينها، لحسم بعض الملفات داخلها، إذ اختارت المجموعة القديمة من تنظيم التوحيد والجهاد، المعروفة لدى أجهزة الأمن، عناصر جديدة ملفاتها الأمنيّة نظيفة وغير معروف توجهها الفكري، منعاً لإثارة الشبهات في بداية تأسيس جماعة أنصار بيت المقدس".
وتقول المصادر إنّ "أمير جماعة أنصار بيت المقدس ليس معروفاً لدى كافة عناصر التنظيم، خوفاً من الاختراق الذي قد تتعرّض له في أيّ وقت"، موضحة أنّ "الجماعة لا تريد الآن استقدام عناصر جديدة، على الرغم من رغبة عدد كبير بالانضمام إليها والمشاركة في قتال الجيش والشرطة، سواء في سيناء أو خارجها".
من جهته، يفرّق الباحث في شؤون الحركات الإسلاميّة، صلاح حسن، على المستوى التنظيمي، بين انتماء "أنصار بيت المقدس" إلى "القاعدة" وانتمائها إلى "داعش"، لافتاً إلى أنّ التنظيم الأخير "يعمل في تحرّكاته بشكل مركزي"، ويقول: "تنظيم القاعدة كان يعمل بشكل لا مركزي، ويسمح للجماعات والتنظيمات التي بايعته، بالعمل بشكل حر، من دون وضع قيود على تحرّكاتها"، مستنتجاً أنّ "الارتباط بين أنصار بيت المقدس و"داعش"، يحتّم على المجموعة في مصر، العودة لإدارة التنظيم في العراق قبل تنفيذ عمليات كبيرة في الداخل، والالتزام بكافة الاستراتيجيات العامة للتنظيم".
تطوّر العمليات
وكانت عمليات جماعة "أنصار بيت المقدس ـ ولاية سيناء"، قد شهدت تطوراً ملحوظاً منذ إعلان البيعة لـ"داعش"، إذ أعلنت الجماعة عن تنفيذها 11 عملية ضدّ قوات الشرطة والجيش في سيناء في مناطق متفرّقة.
وتعدّدت العمليات، بين استهداف مدرّعات وآليات عسكريّة بالتفجير عن بُعد، بزراعة قنابل أرضية في طرق عبور تلك الآليات، فضلاً عن تنفيذ عمليات تصفية طالت بعض قادة الشرطة والجيش، واستخدام السيارات المفخّخة.
ويتوقع الباحث في الحركات الجهاديّة أن "تكثّف الجماعة عملياتها خلال الفترة المقبلة، خصوصاً مع إعلان البيعة لـ"داعش"، لإثبات وجودها بقوة على الساحة، وتوصيل رسالة إلى النظام الحالي، مفادها أنّ الجماعة لا تزال تتمتّع بقوّتها ولم تتأثر بالعمليات العسكريّة في سيناء"، ويُعرب عن اعتقاده "برغبة الجماعة في إيصال رسالة إلى المجتمع السيناوي، بأنها الحامي له من اعتداءات قوات الجيش والشرطة، من قتل وهدم منازل وتهجير سكان الشريط الحدودي، وفرض حظر التجوّل".
ويقول الباحث، صلاح حسن، إن "أنصار بيت المقدس ستكون يد تنظيم الدولة في مصر، إذا ما قرّر فتح جبهة صراع داخل مصر"، معتبراً أنّه "يمكن من خلال هذه الجماعة توظيف كافة طاقات الشباب الجهادي الذي يريد السفر إلى العراق أو سورية للانضمام إلى صفوف "داعش"، من دون أن يتمكّنوا من ذلك على ضوء التشدد الدولي على حركة انتقال المقاتلين". ويخلص حسن إلى أنّ "توسيع المواجهة الداخليّة مع النظام المصري، مرتبط برؤية تنظيم داعش للمنطقة، واستراتيجيته خلال الفترة المقبلة".