وكتبت الصحيفة أنه "في الماضي، كان هناك ديكتاتور وحشي ومتهور، يحكم بلداً عربياً غنياً بالنفط، وكان، رغم تجاوزاته الموثقة جيداً، مدعوماً من الولايات المتحدة وحكومات غربية". وبحسب الصحيفة، فإن جرائم هذا الديكتاتور "كانت فظيعة، لكنه عمل على تحديث بلده، ومتمسكاً بموقفه ضد (الجهاد الإسلامي) وإيران"، وهو برأي "واشنطن بوست"، يبدو أنه لم يكن هناك بديل له.
وأضافت الصحيفة الأميركية أن الحاكم، وهو الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، الذي أنهى الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 حكمه، "سمع الرسالة جيداً. واستنتج أنه ما دام مستمراً في ضخ النفط ومعارضة إيران، سيكون حراً بقتل معارضيه وترهيب جيرانه".
ورأت "واشنطن بوست" أن الرهان على صدام حسين من قبل الولايات المتحدة وحلفائها قاد مباشرة إلى قيام العراق بغزو الكويت في عام 1990، ومنذ ذلك التاريخ إلى "الحروب التي لم تنته في الشرق الأوسط".
Twitter Post
|
رغم ذلك، وبعد 30 عاماً، يعود الغرب إلى ارتكاب الخطأ ذاته، فهم يقولون "إنهم يمقتون الجرائم الواضحة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بما فيها جريمة قتل الصحافي في واشنطن بوست جمال خاشقجي، وتعذيب وسجن الناشطات السعوديات، كما أنهم يرون في حملته العسكرية على اليمن جريمة حرب كارثية".
ممارسات بن سلمان هذه لم تمنع، برأي الصحيفة الأميركية، من تجمع الزعماء والسياسيين حوله في أوساكا اليابانية خلال قمة العشرين. ليس "الرئيس الأميركي دونالد ترامب فحسب، ولكن أيضاً رؤساء ورؤساء وزراء في ديمقراطيات غربية أخرى، كذلك زعماء الهند وكوريا الجنوبية واليابان، وهؤلاء جميعاً استقبلوا بن سلمان بحفاوة، وذلك في زيارات رسمية قام بها إلى دولهم خلال الأشهر الماضية".
واستعادت الصحيفة جواباً تردده دوائر القرار العالمية، في معرض تبريرها استمرار دعم ولي العهد، وهو أن "إم بي إس"، كما يعرف اختصاراً في الغرب، يمثل "أفضل فرصة لتحديث المملكة. وهو يحارب المتطرفين الإسلاميين، ومتحالف معنا ومع إسرائيل ضد إيران"، أما البدلاء فهم "أسوأ".
التصميم الذي يرافق التبرير "الضيق" الذي يتشبث به السياسيون وصناع القرار، بالإمكان رؤيته في التحقيق الذي أجرته أغنيس كالامارد، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام خارج نطاق القضاء، بمقتل خاشقجي، وتقطيع جثته، تقول الصحيفة.
ففي 19 يونيو/ حزيران الماضي، أصدرت كالامارد تقريراً قوياً هو خلاصة تحقيقها بمقتل الصحافي السعودي المعارض، وتوصلت إلى أن بن سلمان ضالعٌ على الأرجح في الجريمة وإجراءات طمسها في ما بعد. ودعت المحققة الأممية إلى وقف المحاكمة المغلقة التي يديرها السعوديون لـ11 موظفاً وجهت إليهم التهم بارتكاب الجريمة، وإجراء تحقيق مستقل تديره الأمم المتحدة وأمينها العام أنطونيو غوتيريس، أو وكالة "إف بي آي". كما دعا التحقيق إلى فرض عقوبات على ولي العهد السعودي، وعلى الأصول التي بحوزته "حتى التأكد من أنه لا يتحمل أي مسؤولية عن تنفيذ الجريمة".
وكتبت الصحيفة أن "الصمت الرسمي الذي حظي به التقرير يصم الآذان". فغوتيريس لم يجب على طلب كالامارد إجراء تحقيق دولي، وحتى الأسبوع الماضي، لم يكن قد التقاها بعد، وفق ما هو متوقع. أوروبا، أيضاً، صمتت. وفي قمة العشرين، التقى ترامب بن سلمان، وقال عن الأخير إنه يقوم بعمل رائع. ثم لاحقاً أدلى بتصريح حول الجريمة رأى فيها أن لا أصابع موجهة مباشرة لولي العهد السعودي، رغم أن تقرير كالامارد وتقريراً سابقاً لوكالة "سي آي إيه" أكدا عكس ذلك.
لكن كالامارد، بحسب ما أكدت "واشنطن بوست"، بدت الأسبوع الماضي خلال زيارة لها إلى العاصمة الأميركية واشنطن، مصممة على موقفها وغير عابئة بالصمت الرسمي الدولي. وقالت في هذا الإطار، إن "حكومات عديدة حاولت دفن الجريمة وطلبت المضي قدماً وتخطّيها، لكن عملية القتل هذه لن تموت"، وذلك بمعرض مداخلة لها في معهد "بروكينغز". ورغم موقع ترامب، تعول كالامارد على مجيء العدالة من الولايات المتحدة، معربة عن اعتقادها في لقاء آخر في مكتب "واشنطن بوست"، أنه "المكان الوحيد الذي ستعمل فيه المحاسبة السياسية".
وبرأي الصحيفة، فإن كلام المحققة الأممية مستمد من بعض الإشارات الباعثة للأمل: فهناك تشريع لا يزال عالقاً في مجلس النواب الأميركي سيطلب من مدير الاستخبارات الوطنية تقريراً عن أولئك المسؤولين عن مقتل خاشقجي، وسيطلب فرض حظر سفر عليهم. كما أنه من المتوقع أن تبحث لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس مشاريع قوانين أخرى خلال الأسبوع الحالي.
لكن هذا التفاؤل يضعفه، إلى حد كبير، وجود ترامب في البيت الأبيض. هكذا رأت "واشنطن بوست" أنه ما دام "ترامب رئيساً، فمن المستبعد أن يواجه بن سلمان عقوبات أميركية مباشرة، لأن جميع مشاريع الكونغرس تستثنيه، أو تمنح الرئيس السلطة لفعل ذلك".
وختمت "واشنطن بوست" مقالها بالإشارة إلى أن بن سلمان "كما صدام حسين قبله، يستنتج أنه يتمتع بالحصانة، فالنساء اللواتي أمر بتعذيبهن، لا يزلن قابعات في السجون، كما أن طائراته لا تزال تقصف اليمن، وهو يتخذ الخطوات الأولى لامتلاك أسلحة نووية". ولكن لأن "الحكومات الغربية لا تعمل على ردعه اليوم، فسيكون عليها فعل ذلك في وقت لاحق. حين تصبح الكلفة أعلى بكثير".