وووضع عجز الموازنة الآخذ في الاتساع الحكومة أمام المهمة الصعبة المتمثلة في محاولة تخفيف الإيرادات، وكبح الإنفاق، وتقديم الدعم المالي للسعوديين. وجاءت بعد ذلك إجراءات التقشف المؤلمة التي فرضتها الحكومة في وقت سابق من هذا الأسبوع، بما في ذلك زيادة ضريبة القيمة المضافة ثلاثة أضعاف مما يهدد بمزيد من الصعوبات وربما الاستياء على نطاق أوسع.
وقال وزير المالية السعودي محمد الجدعان، الذي نقل الرسائل القاسية إلى الجمهور، في مقابلة مع قناة "العربية" بوقت سابق من هذا الشهر: "من المهم جداً اتخاذ إجراءات صارمة ومشددة، قد تكون مؤلمة، لكنها ضرورية لتحقيق الاستقرار المالي العام".
السعودية ليست الدولة الوحيدة التي تواجه حسابا قاسيا بسبب الوباء، كما أكد الجدعان وغيره من المسؤولين مرارا وتكراراـ لكن المملكة تمتلك أكبر اقتصاد عربي، ويتم فحص ومراقبة التطورات فيها خلال الأزمة عن كثب.
وعندما انتشر الفيروس في مارس/آذار، تزامن ذلك مع اعتقال ولي العهد لكبار أفراد من العائلة المالكة ومع حرب نفطية بين السعودية وروسيا تسببت في انخفاض أسعار النفط الخام وتسببت في حدوث شقاق بين المملكة وإدارة ترامب.
ومع ذلك كافحت الحكومة السعودية، التي نالت الثناء لاستجابتها السريعة للوباء، لاحتواء انتشار الفيروس الذي أصاب أكثر من 40 ألف شخص في المملكة حتى الآن. ولكن مع تفاقم التفشي، أصبحت القطاعات الاقتصادية المتوسعة حديثًا مثل السياحة والترفيه خاملة.
تباطأ الإنفاق على بعض المشاريع الكبرى لمحمد بن سلمان وفي مقدمتها مشروع "نيوم".
وقد اصلت الحكومة السعودية دفع الرواتب في القطاع العام، لكنها أعلنت تعليق بدل غلاء المعيشة لموظفي الدولة ابتداءً من يونيو/حزيران. ومن المحتمل أن يفقد عشرات الآلاف من الأجانب وظائفهم.
وحتى عندما كان القادة السعوديون يبشرون بقرب انتهاء الأزمة، كانت هناك شكاوى من أنهم يرسلون رسائل متضاربة بعد أن استحوذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي على حصة في أكبر خط رحلات بحرية في العالم بالتزامن مع مساع لشراء نادي نيوكاسل يونايتد الإنكليزي. وفي هذا السياق، صرح الجدعان بأن "الاستثمارات مهمة للغاية لأن لها عوائد يمكن أن نستخدمها في حالة حدوث أزمة لكبح العجز".
وقالت كارين يونغ، وهي خبيرة الاقتصاد السياسي في منطقة الخليج بمعهد "أميركان إنتربرايز"، إن الحديث الصريح لوزير المالية وإجراءات التقشف الجديدة هي أحدث إشارة للعموم بأن "الأوقات تغيرت". وتابعت "يبدو المستقبل مختلفا. ستكون الأمور مختلفة بالنسبة للشباب السعودي".
وأشارت ياسمين فاروق، وهي زميلة زائرة ببرنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إلى أن الحكومة السعودية تتحدث منذ سنوات عن إنهاء دولة الرفاهية لكنها تكافح من أجل تنفيذ ذلك، وغالباً ما تنعكس التغييرات عليها بعد سحب مزايا من المواطنين.
وقالت فاروق إن رسائل الحكومة أثناء الوباء كانت متناقضة في الواقع، فبالإضافة إلى الحديث عن التضحية المشتركة، أطلق المسؤولون وعوداً بأن تقوم المملكة بعمل أفضل من الدول الأخرى لرعاية مواطنيها، وقالت إن هذا التعهد أدى إلى "إحساس أكبر بالأمان... ثم بدأت قرارات التقشف".
وساقت "واشنطن بوست" قصة رجل الأعمال صافي مروان البالغ من العمر 29 عاما، كنمودج لتأثر رواد الأعمال بالأزمة الحالية. فقد عمل مروان في شركة بناء عائلته لبضع سنوات بعد إنهائه دراسته في أميركا، ثم أسس شركة LocoSonix، التي تبيع ألواح التزلج ومعدات رياضية أخرى للشباب، وجاء تأسيسه لشركته بوقت جيد مع تخفيف بعض القيود الاجتماعية في السعودية خصوصا على النساء، وصار مسموحا لهم بالمشاركة في الأنشطة الخارجية بحرية أكبر. وقد كشف مروان أن معظم عملائه من النساء والفتيات.
لكن الانكماش الاقتصادي شكل تحديا غير متوقع لمروان وعائلته. وحتى قبل حدوث الوباء، اضطرت شركة البناء التابعة لعائلته إلى تقليص قوتها العاملة. وهو الآن يشعر بالقلق من زيادة ضريبة القيمة المضافة بمقدار ثلاثة أضعاف، مما سيؤثر على مبيعاته، إذ سيجد صعوبات في إغراء الناس بشراء السلع المعروضة في متجره، وهي منتجات جديدة في السوق السعودية يعتقد كثير من العملاء أن أسعارها مبالغ فيها بالفعل.
ومع ذلك، يؤكد مروان أنه نجا حتى الآن من الأزمة، وزاد المبيعات عبر الإنترنت أثناء الإغلاق وجذب المئات من المتابعين الجدد إلى حسابه على إنستغرام أثناء محاولته بناء علامته التجارية. لكن الشركات الأخرى سوف تجد صعوبة في التكيف. وقال مروان إن السؤال الأكبر الذي ترك الجميع في حيرة من أمرهم هو: إلى أين يتجه الوباء والبلد بعد ذلك؟