لطالما كنت الحرب وأعمالها وهجرة الإنسان هارباً أو نازحاً موضوعاً جذب إليه الفنانين في مختلف العصور، منذ المنحوتات والرسومات القديمة، وصولاً إلى العصر الحديث، حيث تجلت علاقة الفن بتوثيق الحروب وفظائعها بعد الحرب العالمية الأولى وتصاعدت مع الثانية.
ومنذ عشرة أعوام يعود هذا الموضوع بقوة ليكون شاغلاً للفنانين في العالم، لا سيما بعد أن أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي تدفق كميات هائلة من الصور اليومية المؤلمة والتي تصوّر معاناة الإنسان ورحلته ومنافيه وعذاباته.
في هذا السياق، يأتي معرض "هذا هو الإنسان" الذي يقام حالياً في "منصة الفن المعاصر: كاب" في الكويت العاصمة للفنانة اللبنانية زينة عاصي (1974)، ويتواصل حتى 18 من الشهر الجاري، ويضم أعمالاً قديمة وجديدة للفنانة تتناول أثر الحرب واللجوء والحروب الأهلية والفقر.
تستعير الفنانة عنوان مجموعة من الأعمال أنجزها الفنان الألماني جورج غروز التي كان موضوعها برلين ما بعد الحرب وأطلق عليها "هذا هو الإنسان" وهي مشتقة من الإنجيل، كما نلمح في المعرض تأثيرات مختلفة وملامح من سلسلة "لوس كابريتشوس" و"الساحرات الطائرات" لفرانسيسكو غويا.
هكذا لا تخفي عاصي تأثرها بأسلافها منذ بداياتها حين كانت ترسم المدينة وحركة الإنسان فيها كانت تقيم طريقاً مفتوحاً مع برنار بوفيه وشيلي، واليوم تقترب من فناني الفزع والحرب الألمان والإسبان، كما يظهر تأثرها بالتراث الشرقي من رموز وتطريز وألوان من خلال لجوئها إلى تقديم أعمال على شكل سجاد شرقي.
يأتي المعرض في جزأين؛ يتناول الأول موضوعات المنفى والتغريب كواقع وجودي، وهنا نجد أعمالاً قديمة لها مثل الزهور المزروعة في آنية طعام قديمة تحوّلت إلى مزهرية، أو سجادة شرقية بتفاصيل لا تعد ولا تحصى.
أما الجزء الثاني فيتناول الحدود والهوية والقضايا الإنسانية، وفيه تظهر أعمالها الجديدة ومن أبرزها سلسلة "الذباب على الحائط" هو عمل يتكون من 25 لوحة تصور البشر يتحوّلون إلى حشرات وضحايا ومجرّد أعداد.
كما يعرض فيلم تجريبي قصير بعنوان "سجلات المهاجرين" ويروي الرحلة الشاقة التي يقوم بها أي مهاجر أو لاجئ للبقاء على قيد الحياة، وقد عُرض الفيلم في "بينالي فينيسيا السابع والخمسين" عام 2017 بالإضافة إلى "متحف الحرب الإمبراطوري" في لندن في 2018.