في كتاب "نفط الدم: الطغاة والعنف والقواعد التي تحكم العالم"، الصادرة ترجمته قبل أيام بتوقيع عبيدة عامر غضبان عن "جسور للترجمة والنشر"، يشغل ليف وينار (Leif Wenar)، الأكاديمي الأميركي-البريطاني، سؤالٌ أولي يحكم مجمل عمله: هل نستطيع التيقّن من أننا لا نشارك في جرائم ضدّ الإنسانية بمجرد شراء سلعة أو استخدام منتج، في عالم متشابك يهيمن فيه اقتصاد رأسمالي عابر للحدود؟
وفي محاولة للإجابة على هذا السؤال المربك، يقدم وينار في ما يقارب الـ 600 صفحة (صدرت نسختها الإنكليزية سنة 2015)، فكرته حول "سلاسل الإمداد"، وكيف أننا (كمستهلكين مُعَولَمين)، نُساهم في تكريس الفقر والجريمة والاستبداد والاستعباد من غير أن نشعر، ذلك أن استخراج معظم الموارد الطبيعية الخام، والمناجم والمصانع تعتمد على العمالة الرخيصة، الموجودة في دول غير ديمقراطية وفقيرة في الأغلب، تهيمن فيها مافيات اقتصادية.
يقدّم الكاتب هنا، رصداً وتحليلاً للوضع السياسي والاقتصادي، في الدول التي تملك مخزوناً ضخماً من الموارد الطبيعية وعلى رأسها النفط، أو تلك التي تشكّل بيئة استثمارية واقتصادية منخفضة التكلفة، في ما يخص تأسيس المصانع والشركات وإيجاد رأس المال البشري لتشغيها.
ويستعرض أستاذ الفلسفة والقانون في جامعة "كينغز كولج بلندن"، حجم الاستغلال والانتهاكات والجريمة المنظمة وغياب القوانين التي تصاحب عملية الإنتاج، مشرّحاً "كيف أن هذه الدول هي المزوِّد الرئيسي للغرب، بالمنتجات والبضائع والمواد الخام التي يستوردها، من دون أن يضع أي قيود أو اشتراطات أخلاقية وقانونية، تساعد على تحسين ظروف العاملين، وتحفظ الحد الأدنى من حقوقهم".
يقترح الكاتب نظرية تفصيلية أشبه بمشروع عملي متكامل لحلّ هذه الحالة المركبة، تعتمد على قوانين تتبنّاها الدول والمجتمع المدني والأفراد، لوضع أسس جديدة لما أسماه بـ "التجارة النظيفة".
وعن أهمية الكتاب عربياً، يقول المترجم عبيدة عامر غضبان لـ "العربي الجديد" إنه: "مهم جداً لعدة أسباب. لعل أبرزها هو أن الكتاب يسأل ما سأسميه الأسئلة الحقيقية حول التخلف السياسي عالمياً، وفي العالم العربي خصوصاً - كأكبر منطقة تحتوي على مخزون نفطي في العالم".
ويضيف: "يجيب وينار على هذه الأسئلة، بطريقة أكاديمية تجمع بين العلوم السياسية والاجتماعية والاقتصاد معاً، باحثاً عن العلاقات بين الطغاة والعنف، وصولاً إلى القواعد التي تحكم العالم - كما يسمّيها في العنوان، وأبرزها قاعدة (الفعالية): القوة تصنع الأحقية، وهي التي حملنا عِبْأها تاريخياً بتحوّل النفط إلى دم، ذلك أننا كعرب منذ دخلنا عصر النفط، خرجنا من التاريخ، وتثبّت علينا الطغاة، في أقصر (سلسلة إمدادات) لتحوّل النفط إلى دم، لعل آخرها وأوضحها:الثورات المضادة الرسمية، وغير الرسمية - ممثلة في داعش - والتي كان تمويلها كله من النفط، الذي لم نملك ما يكفي من القوة لنقف في وجهه، فصار دمنا - ومعه أحلامنا - مسفوحاً".