بعد إقدام سيدة مسلحة تنشط منذ أكثر من عقدين في الجبال مع الجماعات المتشددة، على تسليم نفسها إلى قوات الجيش الجزائرية برفقة ثلاثة من أبنائها في منطقة جيجل شرقي الجزائر، عاد ملف النساء والعائلات التي لا تزال موجودة في معتقل الجماعات المتشددة منذ تسعينيات القرن الماضي في الجبال، ليطرح من جديد، بوصفه ملفاً مأساوياً معقداً. هو ملف نساء يعشن خصوصاً في منطقة جيجل وسكيكدة شرقي الجزائر، مع أطفالهن المولودين في الجبال وغير المسجلين في دوائر النفوس المدنية. ويعد من أبرز الملفات المعقدة التي خلفتها الأزمة الأمنية التي مرت بها الجزائر منذ عام 1992.
قررت (نورة ق.) إنهاء مأساتها التي تمتد لأكثر من عقدين والهروب من معاقل الجماعات المسلحة. سلمت نفسها للجيش الجزائري في منطقة برج الطهر بولاية جيجل برفقة أبنائها الثلاثة، عبد الباري، البالغ من العمر 17 سنة، ويحيى البالغ من العمر 14 سنة، وأسامة البالغ خمس سنوات. هم ولدوا في مخابئ الجماعات المسلحة في الغابات والجبال، بعدما قضت نورة 21 عاماً في معاقل المجموعات المسلحة.
وبحسب بيان لوزارة الدفاع الجزائرية، فإن "نورة التحقت بالجماعات الإرهابية عام 1996، وهي زوجة إرهابي ينشط منذ التسعينيات مع الجماعات المسلحة، محمد غ.، والمكنى بأبي ياسر". ولم تنشر قيادة الجيش صوراً لهذه العائلة كما الحالات السابقة، كما لم تكشف ظروف وملابسات نورة وأطفالها.
لا تمثل نورة سوى واحدة من عشرات النساء اللواتي غرر بهن في التسعينيات وما بعدها، للالتحاق بأزواجهن. في منتصف التسعينيات، سمحت المجموعات المسلحة، خصوصاً "الجيش الإسلامي للإنقاذ"، والذي كان يتمركز في منطقة جيجل شرقي الجزائر، للمسلحين بجلب نسائهم إلى مخيمات تمركز مجموعات هذا التنظيم الذي حل نفسه في أغسطس/ آب 1999، بعد اتفاق مع الاستخبارات الجزائرية، لاستفادة عناصره من العفو في إطار قانون "الوئام المدني" الصادر في سبتمبر/ أيلول 1999. وأكد الجنرال المتقاعد، عبد السلام مجاهد، أن قوات الجيش كانت تعثر في كثير من المرات، خلال عمليات ملاحقة المجموعات الإرهابية، أو عمليات التمشيط، على عائلات وأطفال في مخابئ المجموعات المسلحة. وأضاف أنه كانت تتم استعادتهم وإعادة تأهيلهم اجتماعياً، مشيراً إلى أن جزءاً منهم كانوا مختطفين أو يعيشون مع المجموعات المسلحة قصراً.
اقــرأ أيضاً
خلال الأشهر الأخيرة سجّلت عمليات استسلام عدة أو توقيف مسلحين برفقة عائلاتهم وأطفالهم، كانوا يعيشون في الجبال التي ولد فيها الأطفال. وفي شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، سلمت الناشطة السابقة في صفوف الجماعات المسلحة، أم خالد، نفسها إلى قوات الجيش برفقة أطفالها الخمسة، تاركةً وراءها زوجها في الجبل، بعد 22 سنة من وجودها هناك. وفي 10 إبريل/نيسان الماضي، تمكنت قوات الجيش من توقيف الإرهابي، فؤاد ق.، المدعو صالح أبو أيمن، والذي التحق بالجماعات المسلحة سنة 2002، وتخصّص في صناعة المتفجرات والقنابل. وتم توقيفه برفقة عائلته المكونة من زوجته نادية، وخمسة من أطفاله، ثلاث بنات وطفلين، كانوا داخل مخبأ خاص بالجماعات المسلحة. وعلقت قيادة الجيش حينها قائلة إنها "وجدت هذه العائلة في حالة مزرية سواء من حيث الوضع الصحي وانعدام النظافة الجسدية والحالة النفسية المتدهورة التي ميّزت أفراد هذه العائلة، خاصةً الأطفال منهم، إذ عملت المصالح المختصة على توفير الرعاية الصحية والنفسية لهؤلاء والتكفل بهم من حيث النظافة واللباس والراحة". وأضافت أنه "مرة أخرى نفس السيناريو يتكرر ونجد أطفالاً أبرياء ذنبهم الوحيد أنهم ولدوا في غياهب الجبال والغابات من آباء اختاروا أن يمنحوهم مصيراً مجهولاً بين وحشة الظلام ولسعات البرد وهيمنة الجهل وبعيداً عن كل صفات الإنسانية والحياة البشرية"، وفق ما ورد في بيان لقيادة الجيش الجزائري. وخلال نفس الفترة، عثرت قوات الجيش على جثة ناشطة في مجموعة مسلحة تسمى حورية ف.، وهي زوجة أحد المسلحين المتشددين، في غابة في منطقة سكيكدة شرقي الجزائر. وكان زوجها قد قتل في عملية عسكرية بشهر يوليو/ تموز 2016.
وفي 30 يونيو/ حزيران 2016، قامت سيدة كانت زوجة لمسلحَيْن في الجبال قضت عليهما قوات الجيش في عامي 2008 و2014، بتسليم نفسها لقوات الجيش برفقة أربعة من أطفالها الذين ولدوا في الجبال. وكانوا يعيشون مع المسلحين المتشددين في منطقة برج الطهر بولاية جيجل. وفي وقت لاحق من هذا التاريخ، سلم شابان من نفس العائلة، وهما حذيفة وطارق، نفسيهما إلى قوات الجيش، استجابةً للنداء الذي وجهته الأم لهما، بهدف الرجوع إلى جادة الصواب وترك النشاط الإرهابي. كما سلمت في نفس التاريخ عائلة أخرى نفسها إلى قوات الجيش، تضم امرأة واثنين من أطفالها. وفي مارس/ آذار 2016، سلمت سيدة كانت قد التحقت بمخابئ الجماعات المسلحة عام 1994، نفسها إلى قوات الجيش، برفقة ابنتيها المولودتين في الجبال.
ومع كل عملية استسلام أو توقيف عائلات من معاقل الجماعات المسلحة، تحاول قيادة الجيش الجزائري إبراز مأساة النساء والأطفال نتيجة حياتهم البدائية في الجبال، لأجل استمالة المسلحين المستمرين في النشاط في الجبال، عبر دعوتهم إلى تسليم أنفسهم وإنهاء مأساة عائلاتهم الموجودة معهم. ووصفت حالة عدد من أطفالهم الذين استلمتهم بالقول إنه "حينما تنظر إلى هؤلاء ترى في أعينهم شعاع الأمل، والخوف من العودة إلى ما كانوا عليه، ليتأكدوا بأن مكانهم وسط مجتمعهم حيث السكن والدراسة والأهل والسكينة، وليس في غياهب المجهول والمصير المشؤوم حيث لا ينفع الندم، فالفرصة متاحة قبل فوات الأوان إلى كل من ضلوا الطريق، ليسلموا أنفسهم ويطلّقوا الأعمال الإجرامية ويعودوا لحضن الوطن"، وفق ما جاء في أحد بيانات الجيش الجزائري. وتقوم المصالح الاجتماعية للجيش برعاية العائلات والأطفال الذين تمت استعادتهم من الجبال، والسماح لهم بالدراسة وتوفير الرعاية الصحية لهم، لا سيما أن أغلبهم لم يتلقوا التلقيحات الضرورية، بهدف إعادة إدماجهم في المجتمع.
وضمن ملف العائلات العائدة من الجبال ومخابئ المجموعات المسلحة، يبرز ملف وصفه رئيس "لجنة المساعدة القضائية لتطبيق قانون المصالحة الوطنية"، مروان عزي، بالملف المعقد الذي أفرزه وجود النساء والعائلات برفقة المسلحين في الجبال، والزواجات التي تمت في الجبال، وهو ملف ما يعرف بـ"أطفال الجبل". ويتعلق الأمر، وفق قوله، بأطفال ولدوا في الجبال ومخيمات تمركز المجموعات المسلحة، وكانوا نتاج هروب عائلاتهم والتحاقها بالمجموعات المسلحة، أو نتاج زواج قسري بين مسلحين وبنات مختطفات، وغير مسجلين في سجلات دوائر النفوس المدنية.
وأكد عزي لـ"العربي الجديد" أن السلطات تقّدر عدد هؤلاء الأطفال بأكثر من 500 طفل، تتفاوت تعقيدات ملفاتهم بحسب كل حالة، مشيراً إلى أن القانون الجزائري يرفض تسجيلهم في سجلات دوائر النفوض المدنية إلا بعد استصدار أحكام قضائية خاصة بهم لتسجيلهم. وتابع أنه بالنسبة لحالة أطفال الجبل الذين لا يزال الأم والأب على قيد الحياة، قد يكون الأمر يسيراً، لكن عدداً آخر من هؤلاء الأطفال تظل حالاتهم معقدة بسبب وفاة الأب في الجبال، ما يحتاج إلى إثبات نسب عبر تقنية الحمض النووي (DNA)، وفق تعبيره. وختم قائلاً إنه في المقام الثالث، توجد حالات أطفال ولدوا في الجبال نتيجة زواج مختطفات مع أكثر من مسلح في الجبال، ما يعقد من محاولة إثبات نسبهم، على الرغم من وجود بعض الجهود التي تقوم بها هيئات مهتمة بالموضوع لتسوية كامل الحالات القائمة.
لا تمثل نورة سوى واحدة من عشرات النساء اللواتي غرر بهن في التسعينيات وما بعدها، للالتحاق بأزواجهن. في منتصف التسعينيات، سمحت المجموعات المسلحة، خصوصاً "الجيش الإسلامي للإنقاذ"، والذي كان يتمركز في منطقة جيجل شرقي الجزائر، للمسلحين بجلب نسائهم إلى مخيمات تمركز مجموعات هذا التنظيم الذي حل نفسه في أغسطس/ آب 1999، بعد اتفاق مع الاستخبارات الجزائرية، لاستفادة عناصره من العفو في إطار قانون "الوئام المدني" الصادر في سبتمبر/ أيلول 1999. وأكد الجنرال المتقاعد، عبد السلام مجاهد، أن قوات الجيش كانت تعثر في كثير من المرات، خلال عمليات ملاحقة المجموعات الإرهابية، أو عمليات التمشيط، على عائلات وأطفال في مخابئ المجموعات المسلحة. وأضاف أنه كانت تتم استعادتهم وإعادة تأهيلهم اجتماعياً، مشيراً إلى أن جزءاً منهم كانوا مختطفين أو يعيشون مع المجموعات المسلحة قصراً.
خلال الأشهر الأخيرة سجّلت عمليات استسلام عدة أو توقيف مسلحين برفقة عائلاتهم وأطفالهم، كانوا يعيشون في الجبال التي ولد فيها الأطفال. وفي شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، سلمت الناشطة السابقة في صفوف الجماعات المسلحة، أم خالد، نفسها إلى قوات الجيش برفقة أطفالها الخمسة، تاركةً وراءها زوجها في الجبل، بعد 22 سنة من وجودها هناك. وفي 10 إبريل/نيسان الماضي، تمكنت قوات الجيش من توقيف الإرهابي، فؤاد ق.، المدعو صالح أبو أيمن، والذي التحق بالجماعات المسلحة سنة 2002، وتخصّص في صناعة المتفجرات والقنابل. وتم توقيفه برفقة عائلته المكونة من زوجته نادية، وخمسة من أطفاله، ثلاث بنات وطفلين، كانوا داخل مخبأ خاص بالجماعات المسلحة. وعلقت قيادة الجيش حينها قائلة إنها "وجدت هذه العائلة في حالة مزرية سواء من حيث الوضع الصحي وانعدام النظافة الجسدية والحالة النفسية المتدهورة التي ميّزت أفراد هذه العائلة، خاصةً الأطفال منهم، إذ عملت المصالح المختصة على توفير الرعاية الصحية والنفسية لهؤلاء والتكفل بهم من حيث النظافة واللباس والراحة". وأضافت أنه "مرة أخرى نفس السيناريو يتكرر ونجد أطفالاً أبرياء ذنبهم الوحيد أنهم ولدوا في غياهب الجبال والغابات من آباء اختاروا أن يمنحوهم مصيراً مجهولاً بين وحشة الظلام ولسعات البرد وهيمنة الجهل وبعيداً عن كل صفات الإنسانية والحياة البشرية"، وفق ما ورد في بيان لقيادة الجيش الجزائري. وخلال نفس الفترة، عثرت قوات الجيش على جثة ناشطة في مجموعة مسلحة تسمى حورية ف.، وهي زوجة أحد المسلحين المتشددين، في غابة في منطقة سكيكدة شرقي الجزائر. وكان زوجها قد قتل في عملية عسكرية بشهر يوليو/ تموز 2016.
وفي 30 يونيو/ حزيران 2016، قامت سيدة كانت زوجة لمسلحَيْن في الجبال قضت عليهما قوات الجيش في عامي 2008 و2014، بتسليم نفسها لقوات الجيش برفقة أربعة من أطفالها الذين ولدوا في الجبال. وكانوا يعيشون مع المسلحين المتشددين في منطقة برج الطهر بولاية جيجل. وفي وقت لاحق من هذا التاريخ، سلم شابان من نفس العائلة، وهما حذيفة وطارق، نفسيهما إلى قوات الجيش، استجابةً للنداء الذي وجهته الأم لهما، بهدف الرجوع إلى جادة الصواب وترك النشاط الإرهابي. كما سلمت في نفس التاريخ عائلة أخرى نفسها إلى قوات الجيش، تضم امرأة واثنين من أطفالها. وفي مارس/ آذار 2016، سلمت سيدة كانت قد التحقت بمخابئ الجماعات المسلحة عام 1994، نفسها إلى قوات الجيش، برفقة ابنتيها المولودتين في الجبال.
وضمن ملف العائلات العائدة من الجبال ومخابئ المجموعات المسلحة، يبرز ملف وصفه رئيس "لجنة المساعدة القضائية لتطبيق قانون المصالحة الوطنية"، مروان عزي، بالملف المعقد الذي أفرزه وجود النساء والعائلات برفقة المسلحين في الجبال، والزواجات التي تمت في الجبال، وهو ملف ما يعرف بـ"أطفال الجبل". ويتعلق الأمر، وفق قوله، بأطفال ولدوا في الجبال ومخيمات تمركز المجموعات المسلحة، وكانوا نتاج هروب عائلاتهم والتحاقها بالمجموعات المسلحة، أو نتاج زواج قسري بين مسلحين وبنات مختطفات، وغير مسجلين في سجلات دوائر النفوس المدنية.
وأكد عزي لـ"العربي الجديد" أن السلطات تقّدر عدد هؤلاء الأطفال بأكثر من 500 طفل، تتفاوت تعقيدات ملفاتهم بحسب كل حالة، مشيراً إلى أن القانون الجزائري يرفض تسجيلهم في سجلات دوائر النفوض المدنية إلا بعد استصدار أحكام قضائية خاصة بهم لتسجيلهم. وتابع أنه بالنسبة لحالة أطفال الجبل الذين لا يزال الأم والأب على قيد الحياة، قد يكون الأمر يسيراً، لكن عدداً آخر من هؤلاء الأطفال تظل حالاتهم معقدة بسبب وفاة الأب في الجبال، ما يحتاج إلى إثبات نسب عبر تقنية الحمض النووي (DNA)، وفق تعبيره. وختم قائلاً إنه في المقام الثالث، توجد حالات أطفال ولدوا في الجبال نتيجة زواج مختطفات مع أكثر من مسلح في الجبال، ما يعقد من محاولة إثبات نسبهم، على الرغم من وجود بعض الجهود التي تقوم بها هيئات مهتمة بالموضوع لتسوية كامل الحالات القائمة.