وعلى الرغم من أن قاعدة الحزب الشيوعي أيّدت في غالبيتها ميلانشون، خلال الانتخابات الرئاسية، فإن قيادة الحزب الشيوعي صوتت في غالبيتها ضد التحالف معه، وهو ما أثار حفيظة جان لوك ميلانشون، وجعله في حلٍّ من أي التزام قادم.
وبعد ظهور نتيجة الدورة الأولى من الرئاسيات، وإقصاء ميلانشون ومرشّح الحزب الاشتراكي، بونوا هامون، بدأ ميلانشون لقاءاته ومفاوضاته مع الشيوعيين، من موقف قوي، بفضل سبعة ملايين شخص من الذين صوتوا لصالحه.
ولكن ما الذي جعل هذه المفاوضات بين رفاق الأمس، والمنضوين معًا في ما كان يسمى، "جبهة اليسار"، والذين يحملون هدفًا مشتركًا يتمثل في مواجهة برنامج الرئيس الجديد؛ يَفشلون في الاتفاق، ويتجهون فرادى إلى معركة الانتخابات؟ مع كل مخاطر تشتيت الأصوات وبالتالي خسران مقاعد برلمانية، تبدو في متناول اليد.
ميلانشون ذكر، أمس الأربعاء، أنه لن يكون هناك تحالفٌ بين حركته، "فرنسا غير الخاضعة"، والحزب الشيوعي، وذكر أنه فعل كل ما يستطيع، لكن الأمين العام للحزب الشيوعي أفشل الوصول إلى اتفاق، وهو ما كذبه بيير لوران، مُجدِّداً في مقال نشره في "ليبراسيون" دعوته حركة ميلانشون إلى "العمل للوصول إلى اتفاق تحت لواء واحد"، خصوصًا وأن ثمة سببًا واحدًا لهذه الوحدة، يتمثل في "مُنازَعَة الأغلبية الرئاسية التي لم يضمنها بعد الرئيس ماكرون".
وبينما تتواصل الاتهامات المتبادلة حول إفشال الوصول إلى اتفاق بين مكونيّ "جبهة اليسار"، التي دخلت في موت سريري، جدد الأمين العام للحزب الشيوعي، بقوة وببعض الغضب، الدعوة للتوافق، بين الطرفين، في أكبر عدد ممكن من الدوائر الانتخابية. ولكن الأمر انتهى، أخيرًا، بالفشل النهائي بين الطرفين.
وإذا كانت هذه الفترة الانتخابية تعرف زخمًا ودينامية لحركة إيمانويل ماكرون، "الجمهورية، إلى الأمام"، التي تشهد تقاطُر قياديين وطاقات من مختلف الأحزاب السياسية الفرنسية، فإن هذين الفصيلَين اليساريين سيَفشلان في إيصال عدد كبير من النواب إلى البرلمان الجديد، وهو ما يشرحه، بعمق، بيان للحزب الشيوعي صدر يوم 26 أبريل/نيسان الماضي: "إذا سرنا مجتمعين، فإن الانتصار ممكن في عشرات وعشرات الدوائر الانتخابية. ولكن إذا خضنا الانتخابات، منفصلين، فلن نفوز سوى بقبضة من المقاعد. وأي دائرة نخسرها سيفوز بها إمّا اليمين المتطرف، أو اليمين، أو ليبراليو ماكرون. ليس لدينا الحق في المخاطرة".
ميلانشون مرشّحًا في مارسيليا
لم يكن اختيار مدينة مارسيليا، في جنوب فرنسا، مجرد صدفة، فقد اختارها ميلانشون، يوم 9 أبريل/نيسان الماضي، في حملته الانتخابية للرئاسيات، وألقى فيها خطابًا طويلًا، حضرته حشود كبيرة. كما أن هذه المدينة، التي يمثل فيها الفرنسيون من أصول أجنبية أكثر من الثلث، صوتت بكثافة للمرشح ميلانشون في الدورة الأولى من الرئاسيات، فتفوق فيها على كل منافسيه. وإلى جانب ذلك، فإن هذه المدينة يحقق فيها حزب الجبهة الوطنية على مدى انتخابات عديدة صعودا مقلقا، وهو ما يمنح الفرصة لميلانشون لبذر مشروعه وخطابه عن التعايش المشترك في كنف الجمهورية، والعلمانية الهادئة.
ويراهن ميلانشون وقياديو حركته على أن هذه الدائرة الانتخابية في مارسيليا يمكنها أن تصوت، نظريًّا، لصالح ميلانشون، حتى من دون دعم الشيوعيين.
وبمجرد انتشار خبر احتمال ترشح ميلانشون في مارسيليا؛ بادر "البيئيّون" إلى التشكيك في هذا الخيار، محذرين من خسران اليسار لهذه المدينة الكبيرة، وإن كانوا قد أشادوا ببرنامج ميلانشون في ما يخص الجانب البيئي.
وكان أكثر المنتقدين والمتضررين لوصول ميلانشون إلى الجنوب هو النائب الاشتراكي، باتريك مينوتشي، عن الدائرة التي اختارها ميلانشون لمعركته الانتخابية القادمة. وتوعَّد مينوتشي، الذي أعيد انتخابه سنة 2012، حين حصل على نسبة 33 في المائة في الدورة الأولى، ثم نسبة 70 في المائة في الدورة الثانية، خصمَه السياسي القادم من باريس بمعركة قاسية و"شاملة".
وأعاب عليه اختيار هذه الدائرة، التي يحتفظ بها اليسار، مشككًا في نواياه، ومذكّرًا بكل النضالات التي خاضها معه، ضد قانون الشغل، وضد تجريد الفرنسيين من جنسيتهم الفرنسية، واصفًا إياه بـ"المترحل الانتخابي"، وهو ما يرد عليه ميلانشون بالقول: "نعم، يتم إنزالي في كل مكان! وفي كل مكان من فرنسا أحس بأني في بيتي، فرنسا هي وطني".
وأضاف مينوتشي: "يعتقد ميلانشون أن الأمر سيكون سهلًا، ولكني أقول بأن الأمر سيكون بالغ التعقيد". كما أنه اتهم ميلانشون بأنه أكثر تسامحًا مع حزب "الجبهة الوطنية".
وتبدو هذه المعركة المحتملة بين ميلانشون ومينوتشي، لأنه يجب انتظار يوم السبت للاطلاع على أسماء المرشحين والدوائر الانتخابية لحركة "فرنسا غير الخاضعة"، إعلانًا مسبقًا عن فشل اليسار، بكل ألوانه في هذه الدائرة الانتخابية (التي تصوت لليسار)، وقد تشهد معركة هوميرية، وتكون مؤشرًا، أيضًا، على فشل اليسار، كله، في عموم فرنسا.