اختتمت الأحد الماضي، 22 أيلول/ سبتمبر الجاري، فعاليات الدورة 19 من "مهرجان الدراماتورجيا الدولي" في ميلانو، وقد اقترح على المشاركين فيه محوراً رئيسياً بعنوان "التعدّدية وشبكات التواصل الاجتماعي".
وفي الحقيقة، فإن التعددية تتقاطع، ليس فقط مع الدورة الحالية، بل مع الفكرة العامة للمهرجان؛ حيث يحتفي عادة بالثقافة الأورومتوسطية، ذات الطابع التعدُّدي في جوهرها، وهو ما يتجلّى في اختيار الفنّانين الإيطاليين؛ حيث حضر مسرحيون من جزيرة صقلية ومن مقاطعة كامبانيا (عاصمتها نابولي)، وهي مناطق تُعدّ الأكثر احتكاكاً بفكرة التعدّد في إيطاليا. كما أن المشرفين عليه لطالما أشاروا إلى أنّه يهدف إلى توطيد قواعد التعايش وبناء آفاق علاقات جديدة.
تأتي هذه التصوّرات كخلفية في العروض التي اقترحها المهرجان. وقد كانت مسرحية المخرج جيتون نزيراج (كوسوفو) أحد أكثر العروض إثارةً لانتباه النقّاد والمتفرّجين، وهو عمل حمل عنواناً ساخراً: "مسرحية مع ممثّلين وبعض الأبقار وبعض الخيول ورئيس الوزراء والبقرة ميلكا وبعض المفتّشين المحليّين والدوليّين".
يقف نزيراج على مفارقة، فبلده واقع في أوروبا لكنه ليس عضواً في "الاتحاد الأوروبي"، أما بريطانيا فهي خارج القارة (جغرافياً)، لكنها كانت ضمن الاتحاد ثم قرّرت الانسحاب منه، ما يجعل من كوسوفو تسعى بشكل مضاعف لشغل المكان الشاغر ضمن منافسة شديدة مع الخصم اللدود صربيا. يمزج نزيراج عمله بعالم الحيوانات الأورويلي ليقدّم قراءة للواقع الحالي في كوسوفو وأوروبا، منتقداً بشكل لاذع "مزاعم البيروقراطيين" الذين يهتمّون فقط بجعل الأشياء تبدو بخير على الورق.
ولكي تنضمّ كوسوفو إلى أوروبا، يقترح المخرج ورقة يسمّيها "كوسوفو و3000 شرط على الطريق إلى أوروبا"، وبناء عليها، يجب على "مسلخ توني بلير" في بريشتينا، من الآن فصاعداً، بيع اللحوم التي تخضع لرقابة الجودة. وفي محاولة للوفاء بهذا الشرط، يقوم أصحاب المسلخ برحلة عبر بيروقراطية الدولة، والتعامل مع المسؤولين والبيروقراطيين الفاسدين. وضمن المواقف الطريفة التي يقترحها، يسرق أصحاب المسلخ زرافةً من حديقة حيوانات سكوبيا (في مقدونيا) كي يأكلها رئيس وزراء كوسوفو في عيد ميلاده.
وفي عمل بعنوان "احرق أوروبا"، وهو من تأليف ثلاثي لـ ماريو جيلاردي وأليساندرو بالادينو ودافيد باسكاريللا، تظهر قضايا أخرى مثل الإرهاب والخوف من الآخر والأخبار المزيفة. عرضٌ يتألّف من خمس لوحات مستوحاة من العديد من الأعمال الإرهابية التي وقعت في مدن أوروبية.
أما مسرحية "فولفر" (إخراج جوزيبّهْ بروفينتسانو)، فتتناول تاريخ الهجرات والانقسامات والعودة إلى الوطن، فهي تعود إلى مجموعة من الصقليّين الذين هاجروا إلى الأرجنتين هرباً من زلزال ميسينا عام 1908 بحثاً عن حياة أفضل وأكثر هدوءاً.
العمل هو الإنتاج الثاني لمشروع "أمّوني" ("فلنذهب" باللهجة الصقلية)، وهو ورشة عمل دائمة للتدريب في مهن المسرح مُوجّهة للشباب المهاجرين وطالبي اللجوء والإيطاليين الأجانب من الجيل الثاني، جرى تأسيسها من قبل "فرقة بابل" التي رأت النور عام 2011 في باليرمو.
شهد المهرجان أيضاً حفل تقديم جائزة الكاتب المسرحي كارلو أنّوني (1795 - 1879)، في دورتها الثانية، وهي جائزة مكرّسة للنصوص المسرحية حول التنوّع في مجال الحبّ، وكان الغرض من إطلاقها الترويج لترجمة الأعمال الإيطالية في الخارج. وقد جرت دعوة مترجمين ساهموا في نقل الأدب الإيطالي إلى ثقافاتهم، وقد مثّلت اللغة العربية أماني فوزي حبشي، وإرينا دفيزوفا عن الروسية.