كان ألكسندر نيكولايفيتش راديشيف (1749-1802) ناقداً اجتماعياً وفيلسوفاً في عصر التنوير الروسي، وقد أطلق عليه النقاد السوفييت لقب "أول ثوري روسي"، وربما يكون كتابه "رحلة من سانت بطرسبرغ إلى موسكو" الذي صدرت ترجمته حديثاً عن "منشورات جامعة كولومبيا" بترجمه أستاذي الأدب الروسي أندرو خان وإرينا ريفمان من بين أهم المقالات المكتوبة التي ظهرت في روسيا في عصر كاترين الثانية.
الكتاب سرد لرحلة أدبية على طول الطريق بين بطرسبرغ وموسكو، ومزج فيها راديشيف بين الأدب والفلسفة والاقتصاد السياسي ساعياً إلى كشف المظالم الاجتماعية والاقتصادية وأسبابها على جميع مستويات المجتمع الروسي.
بعد فترة وجيزة من نشر الكتاب في عام 1790، حُكم على راديشيف بالإعدام ونُفي في النهاية إلى سيبيريا بدلاً من تنفيذ حكم الإعدام. ولاحقاً سمح له القيصر بول بالعودة، وعفا عنه الإسكندر الأول وعينه في لجنة صياغة القوانين الجديدة، لكن راديشيف انتحر عام 1802.
يستهدي راديشيف في كتابه بقناعاته الأخلاقية، وسعى إلى مواجهة القارئ بأسئلة ملحة حول العدالة، وكشف قسوة العبودية وغيرها من أشكال الاستغلال المؤسسي. تشمل مسارات الرحلة المتعددة القصص العاطفية والخطابات والشعر والحيل المسرحية والمقالات التاريخية وأطروحة حول تربية الأطفال وتعليقات على الفساد والاقتصاد السياسي، وكلها مستنيرة بحجج التنوير والاهتمام بوضع روسيا في سياقها الأوروبي في ذلك الوقت.
ربما يكون راديشيف هو الأول في سلسلة طويلة من الكتاب والمعارضين الروس مثل هيرزن وسولجينيتسين الذين ابتكروا لغة أدبية فريدة للتعبير عن رسالة تسعى إلى تغيير النظام السياسي. وقد أصبحت رحلته أحد الكتب السرية الأكثر شهرة في الإمبراطورية الروسية وبهذه الترجمة يتاح لأول مرة لقراء الإنكليزية.
بعد فترة وجيزة من نشر الكتاب في عام 1790، حُكم على راديشيف بالإعدام ونُفي في النهاية إلى سيبيريا
وُلِد راديشيف لعائلة نبيلة صغيرة وبدأ في كتابة الشعر والنثر في ثمانينيات القرن الثامن عشر. وقد تلقى تعليماً في القانون والاقتصاد واللغات، وحين انتهى من الدراسة عاد راديشيف إلى منزل عائلته في إقطاعية في ريف قريب من موسكو، مستعدًا بكلماته الخاصة، "للتضحية بالحياة لصالح الوطن الأم".
توقع أن يشارك في العمل الكبير لوضع التشريعات الجديدة التي وعدت بها كاترين. ولكن بدلاً من ذلك، كان على راديشيف شغل منصب متواضع وهو كاتب التسجيل في مجلس الشيوخ. هنا شهد سلسلة طويلة من القضايا الجنائية الخاصة بالقنانة: فلاحون تعرضوا للتعذيب على يد ملاك الأراضي وثورات واضطرابات في البلاد وقمعوا بالبنادق.
في تلك السنوات، تعرّف راديشيف على الأوساط الأدبية وأصبح صديقًا مقربًا لنوفيكوف، وكان يكتب ملاحظاته التي عبر فيها عن رفضه للحكم المطلق والاستبداد، وأكد أن "ظلم الحاكم" أعطى الناس الحق في الحكم و معاقبته باعتباره أسوأ مجرم.