يغزو ملح السيّاحات أسواق الإسكندرية بكميات هائلة، ويهدّد عدداً كبيراً من الأسر المصرية، وذلك لعدم مطابقته المواصفات القياسية واحتوائه على مواد خطيرة على صحة الإنسان. ويسوَّق هذا الملح في أكياس مقلدة عن تلك التي تحوي ملحاً نقياً.
يفيد أحد التقارير الرقابية في محافظة الإسكندرية (شمال مصر) بأنّ "ملح السيّاحات" الذي ينتجه البعض لاستخدامات صناعية، تحوّل إلى واحدة من أخطر الظواهر التي تهدد صحة المواطنين وتسبب السرطان والفشل الكلوي. وبعد انتشار مصانع تعبئته بشكل كبير، راح يُطرح في الأسواق على أنه ملح طعام، على الرغم من أنه غير صالح للاستخدام البشري. وقبل أيام ضبطت إدارة مراقبة الأغذية في مديرية الشؤون الصحية في الإسكندرية، خمسين طناً من ملح الطعام في أحد المصانع غير المرخصة في مدينة برج العرب غرب مدينة الإسكندرية، تحمل علامات تجارية لشركات الكبيرة. كذلك، تحرّر محاضر تحفظاً على أطنان من ملح السيّاحات غير الصالح للاستهلاك البشري في الأسواق، في مختلف محافظات الجمهورية.
ويؤكّد التقرير أن ملح السيّاحات فاسد غير صالح للاستهلاك، وقد دُوّن بوضوح على عبواته الأصلية أنه يُستخدم لأغراض صناعية فقط. لكن بعض التجار عديمي الضمير والذين يُشار إليهم بـ "مافيا السيّاحات"، يعيدون تعبئته وطرحه في الأسواق في أكياس لا تحمل أي بيانات أو في أكياس وعبوات مقلدة عن عبوات الشركات المنتجة لملح طعام.
ويوضح التقرير أن ملح السيّاحات يُستخرج من برك ومستنقعات أو ما يطلق عليها سيّاحات، وهى أرض منخفضة عن سطح البحر تتجمّع فيها مياه مصدرها الصرف الصحي أو الزراعي، بالتالي تحتوي مبيدات حشرية وأسمدة من بين مواد أخرى. وقد أثبتت مختبرات وزارة الصحة أن هذا النوع من الملح يصيب المواطنين بالفشل الكلوي والسرطان وهشاشة العظام.
يقول عضو نقابة العلميين في الإسكندرية، الكيمائي صلاح مرسي، إن "الفرق ما بين الملح النقي وملح السيّاحات يكمن في طريقة الإنتاج. الأول يستخرج من ملّاحات ويُعبّأ في أكياس خاصة بعد عمليات عدّة لتنقيته والتخلص من الشوائب، تُراعَى خلالها الشروط البيئية والصحية. ويُصار إلى الاستعانة به في آلاف الصناعات المختلفة والأبحاث العلمية، بالإضافة إلى استخدامه كملح للطعام. وإذا فسد أو تلوّث، تفسد وتتلوّث الصناعات". يضيف لـ "العربي الجديد": "أما ملح السيّاحات، فيُجمع عشوائياً من المياه الراكدة في المنخفضات والمستنقعات من دون أي معالجة تهدف إلى التخلص من ملوثاته الهائلة والضارة التي تصعب إزالتها. لذلك يستخدم فقط في الإنتاج الصناعي، مثل دباغة الجلود والصباغة".
ويؤكد مرسي أن "المستهلك لا يستطيع التفريق ما بين ملح السيّاحات والملح النقي. لذا يصل إلى موائد المواطنين مع كلّ الخطورة التي يحملها. وهذا أمر يتطلب تشديد العقوبات على كل من يسوّق له في الصناعات الغذائية أو في المطاعم".
اقرأ أيضاً: "مدرسة خيمة" للاجئين السوريين الصغار
من جهته، يقول أستاذ الأمراض الباطنية الدكتور صلاح عيد إن "خطورة ملح السيّاحات تكمن في خلوّه من العناصر التي يحتاج إليها جسم الإنسان وأهمّها اليود. نقصه قد يسبب خللاً في أجهزة الجسم المختلفة. أما إذا كان الملح ملوثاً كيميائياً أو بيولوجياً، فإنه يصيب الإنسان بأمراض خطيرة ولو على المدى البعيد". ويوضح عيد لـ العربي الجديد" أن "ملح الطعام يحتوي على عنصر اليود الذي يلعب دوراً أساسياً في توازن صحة الإنسان. لذا يُشترط أن تكون تركيبته الكيميائية ثابتة لا تتغير بمرور الزمن، بالإضافة إلى خلوّها من المواد والمعادن الضارة".
أما الأمين العام لجمعية تنمية المجتمع في غرب الإسكندرية محمد حسام، فيرى أن "عدم إحكام الأجهزة الرقابية المكلّفة رصد هذا النشاط التجاري الممنوع، يساهم في تسرّب كميات كبيرة من تلك العناصر الضارة، إلى جسد المستهلك الذي لا يستطيع التمييز ما بين الملح الفاسد وذلك الصالح للاستخدام البشري. ويقبل على شرائه لثمنه الرخيص، فيصاب بأمراض خطيرة".
ويشير حسام في حديث إلى "العربي الجديد" إلى أن "الجمعية تقدّمت مع غيرها من مؤسسات المجتمع المدني، بشكاوى عديدة إلى محافظة الإسكندرية ومديرية التموين، بهدف التصدي لظاهرة انتشار ملح السيّاحات الضار جداً، وذلك بعد ارتفاع نسب الإصابة بالفشل الكلوي". يضيف: "أرفقنا في الشكاوى التي تقدمنا بها، نتائج تحليل معامل وزارة الصحة في محافظة الإسكندرية التي تثبت احتمال وقوع كارثة حقيقية بسبب عدم صلاحية ملح الطعام المنتشر في الأسواق، وذلك لتسببه في الفشل الكلوي والتهاب الكبد".
ويطالب بضرورة "اتخاذ إجراءات تجفيف السيّاحات والمستنقعات في كل مناطق الجمهورية، للقضاء على ظاهرة ملح السيّاحات من المنبع ومنع تسلله إلى موائد المواطنين، وليس مطاردة ملحها المغشوش في الأسواق".
وفي هذا السياق، يؤكد وكيل وزارة التموين في الإسكندرية مبارك عبد الرحمن أنهم يكثفون حملاتهم على الأسواق بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية المعنية، "لا سيّما على تجّار الملح المغشوش والمحال في الأسواق الشعبية. وقد أسفرت الحملات عن ضبط كميات كبيرة من ملح السيّاحات، وحرّرت محاضر بحقّ المخالفين".
اقرأ أيضاً: سيول الإسكندريّة تغرق المدينة وتقتل أهلها