بعد لحظات على الهجمات الإرهابيّة التي ضربت العاصمة الفرنسيّة مساء الجمعة الماضي، راح يُسجَّل في أنحاء المعمورة تسابق على التنديد بالاعتداءات الوحشيّة وعلى التضامن مع ضحايا باريس. وتوالت الوقفات الدوليّة المستنكرة، فيما كثرت المظاهر المندّدة بالإرهاب الذي استهدف فرنسا، واحدة من الدول العظمى.
لعلّ ما عمد إليه أصحاب صفحات "فيسبوك" من تظليل لصورة "البروفايل" الخاصة بألوان العلم الفرنسيّ، من أبرز تلك المظاهر. أصدقاء فلسطينيّون كثيرون لجأوا إلى ذلك. من يدرك أكثر من الشعب الفلسطينيّ معنى الإرهاب والقتل والفزع والخسارة؟ بيد أنّ المتابع يستطيع من دون شكّ، ملاحظة ما هو أبعد من ذلك. تجدر الإشارة إلى أنّ دولاً وشعوباً أخرى تضامنت مع هجمات باريس، هي بدورها ضحيّة إرهاب ما، كيفما تباينت أشكاله وكيفما اختلف مرتكبوه. هي قد تكون أحياناً ضحيّة سياسات دوليّة "ظالمة" تشارك فيها فرنسا مثلاً.
لا يعني هذا الكلام أنّ الأخيرة تستحقّ استهدافاً من قبل إرهابيّين، مثلما قد يحلو للبعض الاستنباط. الإرهاب بأيّ شكل تُرجِم على الأرض، هو مُدان ومنبوذ. هذا ليس محلّ جدال. هذا من البديهيات التي قد يسقطها كثيرون من حساباتهم، لأسباب تختلف. المسألة هنا تتعلّق بمحاولة دائمة يأتي بها الفلسطينيّون وغيرهم من أبناء شعوب عربيّة وأفريقيّة وعالم ثالث، للتأكيد والإثبات للعالم أجمع، لا سيّما الدول الكبرى، أنهم ضدّ الإرهاب. بعضهم، لا سيّما الفلسطينيّون، كثيراً ما يوصَمون بأنهم إرهابيّون. وصمة مجحفة بحقّ هذا الشعب بداية وتحديداً، وبحقّ شعوب أخرى تُسيَّر بحسب أهواء "الكبار".
أبناء تلك الشعوب اليوم، ورثوا - لا ريب في ذلك - من الأجيال التي سبقتهم، الحاجة إلى إبداء تعاطف مع كلّ ضحيّة تسقط في الغرب نتيجة أي اعتداء يرتكبه مسلم أو متحدّر من أصول عربيّة أو أفريقيّة، حتى ولو كان ذلك الاعتداء فردياً وعلى خلفيّة خصومات شخصيّة. ولا ريب أيضاً في أنهم سيورثونها بدورهم إلى الأجيال اللاحقة، في ما يشبه "لعنة" مستعصية أبديّة.
يأتي ذلك في محاولة للتأكيد والإثبات أنّ "هؤلاء الإرهابيّين المجرمين ليسوا منّا. هم لا يشبهوننا". هي محاولة لنفي الوصمة التي لطالما ألحقت بهم - لا سيّما الفلسطينيّون - والتي تجعل منهم جميعاً من دون استثناء، إما إرهابيّين وإما مشاريع إرهابيّين في عيون الغرب.. شعوباً وقيادات.
ويبقى أنه مهما تضامنّا وأشعلنا شموعاً وصرّحنا جهاراً بأننا ننبذ الإرهاب، سوف نظلّ "إرهابيّين" أو "مشاريع إرهابيّين" وسوف نتوارث "اللعنة" أبداً.
اقرأ أيضاً: نحبّ الأرض