توقّف العمل المسرحي في اليمن بشكل شبه كلّي منذ 2015، نتيجة الدمار الذي ألقى بظلاله على الواقع الثقافي والفني مع العدوان السعودي الإماراتي. ويأتي هذا التوقف وكأنما يطلق رصاصة الرحمة على جهود قرابة قرن حاول فيه كثيرون، بشكل فردي في الغالب، تنشيط الحياة المسرحية.
ضمن هذا الوضع، يمكن اعتبار إنتاج عمل جديد مثل "حدث فني" في اليمن، فقد جرى الأسبوع الماضي تقديم مسرحية غنائية بعنوان "متعايشين" في "المركز الثقافي" بصنعاء، وهو عمل من إنتاج مجموعة "فننا تعايش" المكوّنة من ثلاثين عضواً بين كاتب وملحّن ومغنٍ وممثل، صعد منهم 18 على خشبة المسرح لأداء العمل الجديد، وكانوا قد تدربوا على أداء المسرحية خلال فترة زمنية لم تتجاوز الشهر في "بيت الموسيقى" بصنعاء.
جمعت المسرحية بين مكوّنات خطاب متعددة، حيث راهنت على استدعاء الكثير من العناصر الشعبية من بيئات متنوعة؛ قروية ومدنية من محافظات مختلفة، بما يعكس التنوّع المجتمعي في اليمن، ضمن مقولة أساسية بإمكانية التعايش بين جميع مكوّنات الشعب اليمني.
يرى المخرج المسرحي اليمني نبيل حزام، في حديث إلى "العربي الجديد"، أن "الرسالة التي يقدّمها العمل المسرحي مؤثرة بشكل كبير في المجتمع"، وهو ما يجعله يأمل في مواصلة هذا الجهد، حيث يضيف أن المجموعة "في حاجة إلى الاستمرارية في العطاء من أجل أن تساهم في الخروج بالمجتمع من دائرة الوجع والمآسي التي يعيشها".
ومن جهته، يقول الشاعر والناقد اليمني زياد القحم، الذي أشرف على تأطير فريق الكتابة: "إن القضية التي تعالجها المسرحية فرضت لغة معينة للنص المسرحي، فاستخدام اللغة الرسمية سيُسقط الروح الكوميدية وقدرتها على التأثير إلى خطابة بلا هدف، لذا كان على الشباب أن يضعوا ذلك نصب أعينهم أثناء كتابة النص".
تنقسم المسرحية إلى ثلاثة مشاهد. كان منطلق الحبكة قصة تاجرين يرتزقان من بيع جبن الأبقار، ويتعاملان مع سيدة تملك بقرة واحدة ذات لونين (أسود وأبيض)، حيث يطلب كل تاجر أن تحلب له من لون خاص به، قبل أن يحاول كل طرف الاستيلاء على نصيب غيره فيتلاشى مبدأ القبول بالآخر ويتورّط الجميع في خصام عنيف.
في جزء آخر من المسرحية، تظهر امرأة نازحة تبدو غير مرحّب بها، ثم تدور الأيام بعد أن يتطوّر الصراع إلى البحث عن طرف خارجي يستقوي به كلّ متخاصم مع خصمه، ليخسروا في النهاية التجارة والمسكن، ويصبحوا نازحين في قرية لم تكن سوى قرية الفتاة التي لم يتقبلوها سابقاً.
كانت تلك الشخصيات والحكايات محاولات رمزية من أجل التعبير عن واقع اليمن، وإن لم يُصرّح بذلك نصاً. وإذا كان الجانب الكوميدي في "متعايشين" بقي بارزاً في بداية العمل، فقد تصاعدت النزعة التراجيدية في المشهد الثالث، وتحولت حتى الشخصيات من فكاهية إلى جادة. جرى التعبير عن هذا الانتقال ليس فقط من خلال الحكاية، بل أيضاً عبر الأغاني الثماني التي جرى تقديمها مع العرض، حيث تنتهي المسرحية بأغان تستحضر الحزن والمعاناة، وبالتالي كانت تستحضر واقع اليمن اليوم الذي لا ينبغي أن يغيب عن بال المتفرّج.