"مؤتمر الأغذية التراثية": المطبخ مجالاً لتحولات التاريخ

16 اغسطس 2020
امرأة فلسطينية تصنع الجبن في إحدى بلدات غور الأردن ، حزيران/يونيو 2020 (Getty)
+ الخط -

كثيرة هي الدراسات التي تتناول تاريخ الطعام في المنطقة العربية، وسوف يتفاجأ من يطلع عليها بالمعلومات التي تكشف تغيرات في ثقافة الطعام وعلاقته بـ الاستعمار والحروب والثورات، وكيف دخلت ثقافات طعام جديدة على التراث في المنطقة وكيف خرجت منها أو اختفت من قائمة مأكولاتها.

حول تاريخ الطعام التقليدي، ينطلق في عمّان "مؤتمر الأغذية التراثية والتقليدية" لدورة ثانية ويتواصل على مدار يومين (اليوم الأحد وغداً الإثنين في فندق موفنبيك)، ويكاد أن يكون الوحيد في منطقة المشرق العربي المخصص لهذا الموضوع، حيث يسعى القائمون عليه إلى دراسة تاريخ الغذاء التراثي والتقليدي، والتفكير فيه كـ صناعة ثقافية، واحتمالات مساهمته في السياحة الداخلية والخارجية، وإمكانية إدراج الغذاء التراثي والتقليدي في خارطة السياحة الغذائية العالمية. 

المحور الأول "الغذاء التراثي" يتناول المشاركون نشأته وعلاقته بالعادات والطقوس والسلوك الاستهلاكي. أما المحور الثاني فيدرس "إنتاج وتصنيع الأغذية التراثية"، وتقدّم فيه أوراق حول مستقبل تصنيع هذه الأغذية التراثية، و"المونة" وأثرها في الإنتاج الغذائي والتنمية المستدامة. 

وفي محور بعنوان "الأغذية التراثية كغذاء ذكي" تقدّم أوراق حول الأغذية الاستراتيجية والتقاليد والحداثة من خلال تتبع تاريخ التمور والألبان والبقوليات وزيت الزيتون، كما تناقش محاور التنوع الحيوي للنباتات البرية والمحلية، والنباتات النادرة، والسياحة الغذائية.  

أعادت أزمة كوفيد-19 الناس إلى المطبخ التقليدي والأطباق التراثية

مبادرات كهذا المؤتمر، تحفز على التفكير وتعيد إلى الأذهان كتابات ودراسات مختلفة ترصد تحولات ثقافة الطعام في المنطقة. على سبيل المثال، في مقال للباحثة الألمانية جانين دنيا التي نشأت في الأردن، تتتبع تاريخ المنسف الطبق الرئيسي في البلاد، وتذكر أن الأرز لم يدخل على هذا الطبق حتى عام 1920، فقد اعتمد الأردنيون في طهيه على القمح في الأساس، وكان هذا جزءاً من ثقافة المنطقة نفسها التي لم يكن الأرز فيها أساسياً ولا متداولاً. 

وفي دراسة أخرى، سنعرف مثلاً أن جبنة الحلّوم كانت تصدر من مصر إلى بلاد الشام وليس العكس، وأن المطبخين المغربي والمصري كانا يشتركان في الكثير من الأطباق الرئيسية الشعبية مثل "الكسكسي" وأن بعض الأكلات اختفت بسبب تغير شكل الموقد، وأن طبق الكشري ربما وصل عبر الاستعمار البريطاني من الهند، وغيرها من المعلومات التي تغير طريقة تفكيرنا في الثقافات وهوياتها وتعدديتها.

بل إن هناك دراسات تكشف خطأ القول إن طعام بلاد الشام مستمد من المطبخ العثماني، فالفروق في طريقة الطهي وطبيعة النباتات الخضراء التي تطهى والبهارات والدهون لا يوجد فيها الكثير المشترك كما يتبنى البعض اعتباطياً، دون أن ينفي ذلك التأثر بالأطباق العثمانية. 

وتشير دراسة أكاديمية نشرتها الباحثة في تاريخ الطعام سالي باهو، إلى الكيفية التي أثر بها الصيام المسيحي على أطباق منطقة بلاد الشام، وتتتبع كيف استبدل المسيحيون في صيامهم الأطعمة التي تحتوي على اللحوم بالخضروات، فمثلاً "اليبرق" وعلى عكس ما يعتقد من أن أصله عثماني، نشأ بحسب الباحثة كنوع من الحاجة إلى التغيير أثناء الصيام عن اللحوم، حيث استبدل المسيحيون الصائمون في سورية ولبنان اللحوم بالزيت والخضار والجوز وزيت الزيتون، كما أنهم استبعدوا الدهون الحيوانية مثل السمن واستعملوا الزيوت النباتية، وتوضح أن مصطلح الطعام "الصيامي" استمد من هذا الصيام وأصبح يعني اليوم الأكل النباتي. 

خلال الفترة الماضية أعادت أزمة كوفيد-19 الناس إلى استهلاك الطعام التقليدي، وفي كثير من المناطق التي أغلقت عادت النساء إلى إعداد الخبز في المنزل، ونما شعور جديد نحو الطعام الذي يأتي من خارج البيت؛ مزيج من التوجس أن يحمل لهم الطعامُ المرضَ، والخوف من أن تقل الأغذية أو تنقطع، فرجعت العائلات إلى التخزين وتكديس "المونة" وإلى عادات أُهملت منذ زمن.

 

المساهمون