"ليالي المسرح الحر": إلى جمهور المهرجانات حصراً

27 ابريل 2019
سائح يلتقط صورة لـ"المدرَّج الروماني" في عمّان (بروكس كرافت)
+ الخط -

منذ تأسيس التظاهرات المسرحية الرسمية، في الأردن، مطلع تسعينيات القرن الماضي الذي شهد أيضاً إنشاء عدد من الفرق الخاصة لتظاهراتها الموازية، تعثّر بعضها واستمرّ الآخر، لكن لم تخضع جميعها لمراجعات جذرية بناء على ملاحظات أساسية طُرحت حول مسائل مركزية، تقنية وفنّية، مثل معايير انتقاء العروض ومراعاة تنوّع الأشكال المسرحية.

يقودنا تكرّر إصدار هذه الملاحظات إلى تساؤل أكبر حول موقع المسرح الأردني نفسه في الحياة الثقافية حيث لا نجد له حضوراً دائماً ولا تمثيلاً نوعياً خارج هذه المواسم التي تختزل المشهد بعدّة أيام متقطعة خلال السنة، ومنها "مهرجان ليالي المسرح الحر" الذي تنطلق فعاليات دورته الرابعة عشرة اليوم، في "المركز الثقافي الملكي" في عمّان، وتتواصل حتى الثاني من الشهر المقبل.

في حديث إلى "العربي الجديد"، يقول ساري الأسعد، نقيب الفنانين الأردنيين، إن "مهرجانات المسرح الأردنية، والعربية عموماً، لا تفرز أعمالاً ذات علاقة بالناس وواقعهم، بل تذهب نحو الاحتفالية أكثر من تقديمها فعلاً مسرحياً حقيقياً يشتبك مع القضايا الراهنة والحساسة في الأردن والعالم العربي، وأصبحت مجرّد لقاء بين المسرحيين العرب ليتبادلوا أخبارهم ومجاملاتهم".

يتابع الأسعد: "تحاول فرقة المسرح الحر تأسيس أرضية صلبة وتقديم اجتهاداتها في هذا السياق، لكن تبقى المشكلة في عدم اشتباك الفرق المسرحية الأردنية مع وزارة الثقافة من أجل إيجاد تصوّر جديد لمشهد مسرحي فعّال طوال العام ويذهب نحو الجمهور، وبغير ذلك سنظل نردّد: ما أكثر من المهرجانات، وما أقل المسرح!".

يشير الأسعد إلى أنه ليس لديه "موقف ضد المسرح التجريبي مع ضعف كثير من العروض التي تقدّم تحت يافطته فنياً وتقنياً، إلّا أنه يجب ألا تغلب عروضه على هذه المهرجانات والتي يذهب معظمها إلى الابتعاد عن الواقع ونقل حياة الناس وآلامهم وتطلعاتهم، ويمكنهم عمل ذلك من خلال مختبر مسرحي يستوعب أفكارهم ورؤاهم لا أن تعمّم وتفرض باعتبارها الشكل الوحيد".

كما يلفت إلى أن "المهرجانات المسرحية لم تستطع إيجاد حركة نقدية موازية، إذ إن الندوات التي تعقّب على العروض المشاركة تهيمن عليها انطباعات وصفية سردية لا صلة لها بالموضوعية، كما لا يمكن أن تقّدم الورشات المصاحبة مخرجات مهمة في يوم ويومين، إذا لم يُفرد لها وقتٌ أطول وتخضع لتخطيط أعمق من شأنه تطوير مهارات وقدرات المشتغلين بالمسرح".

يخلص المتحدث إلى أن "إنقاذ المسرح الأردني يتطلب ابتداءً أن تلتقي جهود المؤسسة الثقافية الرسمية والفرق الأهلية لتتمكّن الأخيرة من إنتاج أعمالٍ خاصة بها، لا أن نكتفي بإنتاج خمس مسرحيات غالباً في العام الواحد تتوجّه إلى جمهور المهرجانات فقط".

من جهته، يشير الناقد المسرحي والأكاديمي الأردني مؤيد حمزة في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن "مهرجان المسرح الحر في دورته الحالية يخطو خطوة جديدة تضاف إلى رصيده، إذ يصر على تنويع العروض من خلال التركيز على حضور عروض عربية وأجنبية بشكل يتفوق أحياناً على ما تقدّمه مهرجانات رسمية، وإن كانت بعض هذه العروض لا تشكل حالة متطورة في بلاده".

ويعتبر مؤلّف مسرحية "رقصة الأمم" أن "المهرجان غالباً ما يلجأ إلى جلب عروض مونودراما (من ممثل واحد) بشكل لا يتوافق مع توجهاته كتظاهرة غير مختصة بهذا الشكل المسرحي، كما يكتفي أحياناً بدعوة فرق من الهواة والمبتدئين وأحياناً من اللاجئين العرب المقيمين في بلدان أوروبية أو كندا كما هو الحال في الدورة الماضية، لتقديم عروض تحمل هوية أجنبية، إلا أنها ناطقة باللغة العربية، أو عرض سويسري ناطق بالألمانية مكوّن من جنسيات لاجئين متنوعة، ويقدم همّاً وقضية ذات خصوصية تتعلق بلاجئي أوروبا واندماجهم".

ويضيف حمزة أن "هذا يتناقض مع مستوى عروض شاركت في دورات سابقة استضافت عروضاً من أفضل ما تم تقديمه عربياً في ذلك الحين، ما يشكل نقطة قوة له حين يحرص على جلب عروض ذات مستوى فني عال تضيف إلى ثقافة جمهور المسرح من مختصين ومتابعين". كما يضيف أن "المسرح فن جماهيري يوجه إلى الطبقة العريضة وليس إلى نخبة من صيّادي الدعوات الذين يحبون أن يطلقوا على أنفسهم وصف "الكائنات المهرجانية"، ما ينسحب على تذبذب في مستوى العروض على الرغم من أن هناك لجنة اختيار عروض مشكلة ومعلناً عنها".

يختم حمزة قائلاً: "يلاحظ على المهرجان في العامين الأخيرين تجنب دعوة ضيوف من قطر في انحياز واضح غير مبرّر على المستوى الفني لا السياسي بما يتوافق والمصلحة الشخصية والخضوع لشروط بناء علاقات مثمرة مع "الهيئة العربية للمسرح" (ومقرها الشارقة) التي تعمل على الاستحواذ الفني والفكري على المسرح العربي، ما ينطبق على الكثير من المهرجانات العربية الخاصة الأخرى والرسمية أيضاً".

المساهمون