"ليالي المركز الوطني لفن العرائس": رهان على النجاحات القديمة؟

08 مايو 2019
(من مسرحية "لقاء" لـ الأسعد المحواشي)
+ الخط -

كثيراً ما يجري اختصار فن العرائس في مسرح الطفل، وكأنه لا يمكنه سوى مخاطبة صغار السن، في حين أن له من الإمكانيات، التقنية والتخييلية، ما يتيح له أن يقارب شتّى المواضيع والقضايا، حتى الفكرية منها أو الاجتماعية، وبالتالي يمكنه أن يصل إلى أي شرائح جماهيرية أوسع بغضّ النظر عن السن. يبدو أن هذا التوجّه قد شقّ طريقه في تونس، على خلاف معظم البلاد العربية الأخرى، باستثناء مصر، فعلى قلّتها تظلّ هناك عروض عرائسية لا تكتفي بالأطفال كجمهور وتلامس مختلف الهواجس التي نجد أثرها في العروض المسرحية الأخرى، وفي السينما والأدب.

نقف على ذلك مع تظاهرة "ليالي المركز الوطني لفن العرائس"، التي تنطلق غداً الخميس وتتواصل حتى الثالث من الشهر المقبل في "مدينة الثقافة" في تونس العاصمة، حيث إن عرضين من بين ثلاثة مبرمجة ضمنها يمثلان مسرحيات عرائسية ليست موجّهة للأطفال حصراً، هما "لقاء" للمخرج الأسعد المحواشي، و"العاصفة" لحسن المؤذن، والثاني عمل مقتبس من إحدى مسرحيات الشاعر الإنكليزي وليم شكسبير.

يبقى أن هناك تساؤلات عديدة تثيرها التظاهرة، ومنها أنه وعلى الرغم من امتدادها الزمني لقرابة شهر لا نجد ضمنها سوى ثلاثة عروض، من بينها عرض سيقدّم لثلاث مرات. وعلى مستوى آخر، يمكن أن نشير إلى أن العروض الثلاثة من إنتاج "المركز الوطني لفن العرائس" نفسه، وكأنما جرى تأثيث التظاهرة بالحلول الأكثر سهولة مادية ولوجستية، في حين أن هكذا تظاهرة كان يمكن أن تكون مناسبة لاستدعاء فرق مسرحية كثيرة تنشط ضمن فن العرائس في مدن تونسية أخرى، أو حتى من بلدان أخرى.

لا بدّ هنا أن ننتبه مثلاً إلى أن مسرحية "لقاء" قد أنتجت في 2015، وهو ما يعني أنها رغم نجاحاتها قد استنفدت إلى حد كبير جمهورها المحتمل في العاصمة على الأقل، وبالتالي فالتظاهرة في حاجة إلى عروض لم يكتشفها هذا الجمهور لضمان متابعة فعالياته.

لكن، وعلى ما يبدو، يوجد رهان على النجاحات التي حقّقتها المسرحية في السابق، وهي التي تتناول قضية الهجرة التي لا تزال راهنيتها مستمرة، كما أنها قدّمت ابتكارات جمالية في مسرح العرائس. نفس الرهان ربما تحظى به مسرحية "العاصفة"، وهما نموذجان لعروض عرائسية تشير إلى تمكّن أهل هذا القطاع من أدواتهم وبلوغهم متابعة قد تعجز عنها عروض من أجناس مسرحية تعتبر ذات جمهور ثابت مثل المسرح التجريبي أو الكوميديا السوداء.

ما ينبغي الانتباه إليه هنا هو عدم الاطمئنان إلى هذه النجاحات، بل لعلّ الأخطر من ذلك هو تحويلها إلى سقف يحدّ من تطوّر مسرح العرائس في تونس، فما تحقّق من نجاحات ليس بالكثير كمّاً ولا يمثّل بعدُ ظاهرة مكتملة، وإذا لم يبدأ العرائسيون في إنتاج أعمال جديدة تبني على ما تحقّق في السنوات الماضية، فإن بساط النجاحات سيُسحب من تحت أقدامهم دون أن يشعروا.

المساهمون