التأم "اللقاء الوطني المالي" الذي دعا إليه الرئيس اللبناني ميشال عون، اليوم الأربعاء، لعرض خطة التعافي المالي التي أقرّتها الحكومة في قصر بعبدا بتاريخ 30 إبريل/نيسان الماضي، واقتصر الحضور على رؤساء الأحزاب والكتل النيابية من فريق الثامن من آذار، باستثناء رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية الذي اعتذر أمس الثلاثاء عن المشاركة بطريقةٍ ساخرة، تذرّع خلالها بالحجر المنزلي ولوحة سيارته "المفرد"، فيما السبب الرئيس يعود إلى الخلاف الكبير بينه وبين رئيس الجمهورية وصهره النائب جبران باسيل، والذي ظهر في محطاتٍ عدّة وصلت إلى حدّ المعركة العلنية، لولا تدخل "حزب الله" لتهدئة حلفائه وثني فرنجية أخيراً عن تعليق تمثيله في الحكومة عبر وزيره. وكان لافتاً أنّ فرنجية خصّ "مستقبل ويب" بتصريح حصري أعلن فيه قراره، وهذه ليست المرة الأولى التي يدلي فيها بمواقف حاسمة لوسيلة إعلامية تعود لـ"تيار المستقبل".
وأكد مصدر في "القوات" لـ"العربي الجديد" أنّ حضور جعجع اللقاء هو من باب المعارضة في الداخل، والاطلاع على ما يدور في أروقة السلطة، والاعتراض حيث الضرورة، كما أنّه يحرص على موقع رئاسة الجمهورية الذي يفصله عن الخلافات السياسية التي تجمعه مع "التيار الوطني الحرّ" وباسيل.
وسريعاً، اجتاحت تغريدات مناصري "تيار المستقبل" الذي يرأسه رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، والذي كان أول من أعلن مقاطعة اللقاء، مواقع التواصل الاجتماعي مهاجمة جعجع، الذي تخلى برأيهم عن حلفائه، وتحديداً الحريري، في تكرار لمناسبات ماضية أشعلت معارك ثنائية كبيرة بين مناصري الحزبين.
ومن الغائبين أيضاً، رئيس "حزب الكتائب" النائب سامي الجميل، الذي بحسب معلومات "العربي الجديد"، كان سيحضر شخصياً اللقاء، لكنه أعلن في ساعات متأخرة من أمس الثلاثاء مقاطعته، وذلك بسبب خلاف داخلي حصل بين أعضاء الحزب، إذ انقسمت الآراء بين مؤيد للحضور ومعارض له، فكان قرار الجميل عدم حضور اللقاء الذي كان يفترض أن يحصل قبل إقرار الخطة الاقتصادية.
هذا وأعلن رئيس كتلة "الوسط المستقل" نجيب ميقاتي عدم حضور اللقاء لارتباطات مسبقة، والمشاركة من خلال النائب نقولا نحاس، في قرار عرّضه لهجوم من قبل مناصري "تيار المستقبل" الذين كانوا يحاولون تفريغ اللقاء من مضمونه. كذلك، غاب رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط عن اللقاء، وقد أبلغ ذلك إلى الرئيس عون خلال اجتماعهما، مكتفياً بإرسال ملاحظات خطية على الخطة الاقتصادية.
لقاء اليوم الأربعاء ليس الأول من نوعه على مستوى رؤساء الكتل النيابية والأحزاب السياسية، إذ سبق أنّ ترأس عون اجتماعاً في الثاني من سبتمبر/أيلول الماضي لدرس ومواكبة الإجراءات التي كان ينوي مجلس النواب وحكومة سعد الحريري آنذاك اتخاذها لمعالجة الأوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد، وكان مصيره الفشل، لا بل تبعته أسوأ أزمة اقتصادية عاشها لبنان، دفعت بالشعب للنزول إلى الشارع في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فكانت الانتفاضة التي أسقطت الحكومة في 29 أكتوبر، وواجهت السلطة بملفات الفساد السياسي والمالي والاقتصادي.
واستهل الرئيس عون كلمته التي نقلت مباشرة على الهواء، بالقول: "نعيش في ظل أزمة نزوح، وفيروس كورونا زاد من انسداد اقتصادنا، وانكماش اقتصادي، وتراجع الطلب والاستيراد كما التصنيع والتصدير، ونقص في العملات الأجنبية، وارتفاع لمعدلات البطالة والفقر كما ولأسعار السلع، وتهاوي سعر صرف عملتنا، وتراجع الإيرادات الضريبية وانحسار ضماناتنا الاجتماعية".
ورأى أن الأزمات والانتكاسات تلاحقت منذ أكتوبر 2019، بعد أن توقفت المصارف عن تلبية طلبات مودعيها في يوليو/موز 2019، ودخلنا مرحلة شديدة التقلّبات، فأصبحت المعالجات أكثر إلحاحاً؛ ومن هنا أتت خطة التعافي المالي التي وضعتها الحكومة وفقاً لصلاحيتها المنصوص عنها في المادة 65 من الدستور.
وأضاف "الخطة إنقاذية، واكبها طلب المؤازرة من صندوق النقد الدولي، وهو الممر الإلزامي للتعافي إن أحسنّا التفاوض والتزمنا الإصلاح الذي ينشده شعبنا من دون أي إملاء أو وصاية، فنضع حداً لاستنفاد الاحتياطات الخارجية ونحمي أموال المودعين ونحاول احتواء عجز الموازنة ومعالجة تدني المستوى المعيشي.
وبالإضافة إلى الإصلاحات الهيكليّة، والتي سعت إلى قسم منها الحكومات المتعاقبة، تهدف خطة الحكومة إلى تصحيح الاختلالات البنيويّة في الاقتصاد والمال، وإلى تأمين شبكات الأمان الاجتماعيّة والمساعدة المباشرة لمن هم أكثر حاجة، وإلى استعادة الثقة بنظامنا الاقتصادي والمالي".
وشدد على أن الخطة الإنقاذية تهدف إلى خفض الدين العام بشكل يقي لبنان المخاطر المستقبليّة، ووضع الماليّة العامة على مسار مستدام، وتحقيق الشفافيّة من خلال التدقيق المالي، وإلى كشف الخسائر المتراكمة في مصرف لبنان وتصحيحها، وإلى إعادة الاعتبار إلى التسليفات للقطاعات الإنتاجيّة، كما ترمي إلى تطبيق تدابير إصلاحيّة لتعزيز النموّ وزيادة الإنتاجيّة، بالإضافة إلى تصحيح ميزان المدفوعات وتحسين القدرة التنافسيّة للاقتصاد، بالتوازي مع إصلاح مالي يركّز على استئصال الفساد وتحسين الامتثال الضريبي وضبط الهدر وحسن إدارة القطاع العام. كذلك تسعى إلى تجنيب الفئات الأقلّ مناعة من شعبنا تداعيات الأزمة وإلى تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي، من ضمان وصحة وتربية وغيرها من الحاجات الحيوية.
بالإضافة إلى الدعم المالي الخارجي المطلوب، فإنّ نجاح خطة الحكومة وارتضاء التضحيات التي تستلزم، والتي تبقى، على صعوبتها، أقلّ حدّة من تداعيات انهيار اقتصادي ومالي شامل، إنّما يتطلبان اتحاداً وطنيّاً ووعياً عميقاً لما يهدد وجودنا وكياننا وهويّة لبنان. يقول عون.
وأكد أنّ خطة الإصلاح الاقتصادي والمالي، وإن حددت الأهداف، يبقى علينا البدء بإجراءات تنفيذية فورية تعيد الثقة بالدولة وبالقطاع المصرفي على الصعيدين الداخلي والخارجي، واعتماد خطوات تطبيقية سريعة وضرورية، لافتاً الى أن خطة الحكومة لم تُدرس بفكر سياسي، بل بفكر اقتصادي؛ لذلك، أدعو إلى مقاربتها من هذا المنطلق لعلّنا نتمكن من استعادة دور لبنان كواحة من الليبرالية الاقتصادية المسؤولة وغير المتوحشة، في ظلّ سيادة القانون ومنطق المحاسبة والشفافية والعدالة الاجتماعية والإنماء المتوازن والإصلاح المستدام.
بدوره، قال رئيس الحكومة حسان دياب: "نحن اليوم نعبر نفقاً طويلاً، والحوار ضروري لتوحيد الرؤية وتمكين الصفوف في مواجهة التحديات، وما نطرحه في الخطّة ليس كتاباً منزلاً، وهو قابل للتطوير، ونعرض الخطّة اليوم أمامكم لأنها ليست ملكاً لحكومة أو حكم، وأتوجه بنداء إلى مختلف القوى والكتل والأحزاب والهيئات والمصارف، وأدعوكم إلى التوقف عن السجالات وإلى وقفة مع الذات.
بدوره، قال وزير المال غازي وزني إنّ هذا اليوم هو تاريخي للبنان، وخطة التعافي المالية للحكومة تمتدّ لخمس سنوات من أجل مواجهة أزمات غير مسبوقة نعيشها.