"كريد 2": ضرورة الخروج من صندوق "روكي"

04 يناير 2019
"كريد 2": المواجهات من جيل إلى آخر (فيسبوك)
+ الخط -
أحدث إطلاق العروض التجارية لـ"كريد (Creed)" لراين كووغلر عام 2015 مفاجأة سينمائية سعيدة، بفضل الاستغلال الذكي والبارع جدًا لشخصية روكي بالبوا، التي أدّاها سيلفستر ستالون في 6 أجزاء بين عامي 1976 و2006، بهدف إيجاد بطل ملاكمة جديد هو أدونيس، ابن أبولو كريد، منافس روكي وصديقه القديم، الذي "يُقتَل" في الجزء الرابع، أثناء مباراة مع ملاكم من الاتحاد السوفييتي. 


يريد أدونيس أن يكون بطلاً، وأن يُدرّبه روكي، مع خطوط درامية تُظهر والدته ماري آن وحبيبته بيانكا. خطوط آمنة تسير بشكل كلاسيكي، ومخاوف معتادة تقترب من الجزء الأول لـ"روكي"، لكنها ناجحة جدًا في خلق تفاعل مع الشخصيات، وإثارة الاهتمام بمصائرها، وخدمة الجانب الأهم في كونه "فيلم ملاكمة". ولأن "كريد" لم يُخطَّط له أن يُشكِّل سلسلة سينمائية، فالنهاية المنطقية لأحداثه تجعل كريد بطلاً كما أراد، فتنتهي القصة. لكن نجاحه في تحقيق ثلاثة أضعاف ميزانيته، دافعٌ إلى وضع مشروع جزء ثانٍ منه، رغم صعوبة السؤال المطروح: ما الذي يمكن أن يُروى إن تكن دراما الفيلم كلّها مُستَثْمرة في الفيلم الأول؟

العودة إلى إرث سلسلة "روكي" مرة أخرى خيار صناع الفيلم الجديد، مع قرار أدونيس خوض مباراة على اللقب ضد فيكتور دراغو، ابن إيفان السوفييتي الذي قتل والده، في مواجهة تحمل غضبًا وعاطفة ورغبة في الانتقام، بالإضافة إلى الزهو بالنفس، يقف فيها أمام والدته وحبيبته وروكي، الذين يرفضون جميعهم خوضه تلك المباراة، المُحمّلة بذكريات دموية ومأساوية.



هذا المسار القصصي للحكاية يُقلّل من ثقل الفيلم منذ اللحظة الأولى. من ناحية أولى، هو غير مقنع، ويحمل مصادفات كثيرة تجعل ابن إيفان يواجه ابن أدونيس بعد 33 عامًا. كذلك، هناك فرضية مزعجة عن أن الأبناء يحملون حتمًا إرث الآباء وطباعهم ومعتقداتهم. والمشكلة الكبرى كامنةٌ في حصر الفيلم في مشاهد وأحداث متوقّعة تمامًا، في لحظات المواجهة والجدل بين أدونيس والشخصيات الأخرى عن خوضه المباراة أو عدم خوضه إياها، التي نعرف ما يمكن أن يقال فيها، وأن ذلك لن يؤدّي إلى أي تغيير في رأيه، وأن المباراة ستُقام بالتأكيد، وأنها ستكون نهاية الفيلم، وأن أدونيس سينتصر فيها. هذا هو المسار، الذي تنعدم فيه خيارات أخرى نظرًا إلى طبيعة الفيلم. نتيجة هذا كلّه، لا نملك فضولاً كبيرًا إزاء ما يحدث، فالعمل لا يتعمّق في شخصياته، وهو ليس قادرًا على إيجاد لحظات صادقة وعاطفية بينها، كما في الجزء الأول قبل 3 أعوام.

المفاجئ فعليًا أن الخط الذي استطاع الفيلم إنقاذه بعض الشيء هو ما يُفترض به أن يكون أكثر مساراته أحادية: ذاك الخاص بفيكتور دراغو ووالده. ففي العادة، تُركِّز أفلام الملاكمة على البطل الذي ننحاز إليه. وسواء كانت حكاية انتصار كما في سلسلة "روكي"، أو انكسار كما في "فتاة المليون دولار" (Million Dollar Baby)، الذي أخرجه كلينت إيستوود ومثّل فيه عام 2004؛ فإن الخصم لا يتجاوز حدود كونه خصمًا، أي الشخص الشرير الذي نجده في حلبة الملاكمة، ويرغب في أذية البطل الذي ننحاز إليه بالضرورة.

الأمر الجيد الأساسي في "كريد 2" هو كسر تلك الصورة، ومع أكثر خصم غير متوقّع. ويكمن جانبه الأكثر جودة في الذهاب إلى حياة إيفان وابنه من نهاية الجزء الرابع، وفي الإشارة إلى كيفية تأثير هزيمته في موسكو على يديّ روكي في حياته وخياراته. هنا، يحدث التحوّل إلى ما هو أعمق من مجرّد خصم أو جسد ضخم وأشقر، له دلالة رمزية سياسية ساذجة عن الصراع بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي ـ روسيا. لكن شخصية حقيقية تُثير تعاطفًا كبيرًا وتفهّمًا كثيرًا، ما يؤثّر في تلقّي المباراة الختامية، وردود فعل الطرف الخصم عليها.

لا تزال شخصية كريد مثيرة للاهتمام. وفي ظلّ فراغ أفلام سينمائية من سلسلة رياضية، وتحديدًا في الملاكمة، منذ وقت طويل، فإنّ الفرصة متاحة للاستمرار في أجزاء أخرى. لكن المؤكد أن الأمر محتاج إلى مخاطرة وتفكير وخروج من إرث روكي وشكل البناء المعتاد في أفلامه، على مستوى مشاهد التدريبات والحوارات الانفعالية والمباراة الختامية المصيرية. فلعلّ الخروج من الصندوق والتفكير بشكل مختلف هو ما يحتاجه الجمهور.
المساهمون