في الثانية عشرة من عمره، تعرّف براين دونلي الملقّب بـ "كاوس" على العديد من فناني الشارع في نيويورك، حيث نفّذ رسوماته الأولى على ملصقات إعلانات كبرى الشركات في المدينة، من دون أن يمتلك حينها موقفاً معادياً منها، لكنه رأى أنها تستحوذ على المكان كلّه!
لم يجد الفنان الأميركي (1974) حواجز بين الفن والواقع، إذ درَس الرسوم التوضيحية وأقام العديد من الجداريات التي نقلته من الهواية إلى الاحتراف، كما عمل رساماً لأفلام الكرتون ومصمماً، ما قاده إلى صنع تماثيل تنتمي إلى كلّ هذه العوالم التي امتزجت لديه؛ لكنه أرادها أن تخرج من المساحة الخيالية التي حُبست فيها منذ ابتكارها، لتشارك البشر واقعهم.
"كاوس.. يأكل بمفرده"، عنوان كتاب يصدر منتصف الشهر الجاري عن منشورات "سيلفانا إديتوريال" بتقديم وتحرير الناقد الإيطالي جيرمانو سيلانت (1940 – 2020)، ودعم من "متاحف قطر" التي نظّمّت لـ "كاوس" معرضاً يحمل العنوان ذاته نهاية تشرين الأول/ أكتوبر الماضي في "مطافئ: مقر الفنانين".
يضمّ الكتاب صوراً للمعرض الذي ضمّ أربعين عملاً بين التصميم الغرافيكي والمنحوتات الكبيرة والمجسمات، بعدسة الفوتوغرافي جونتي وايلد، إلى جانب أرشيف شامل للألعاب والملابس وأدوات التزلّج التي صمّم منها نسخاً محدودة منذ بداية مشواره، إذ بدأ الرسم لأنه يريد أن يعيش، وأراد أن يعيش بلغة مرئية تصله بالناس قبل أن يعتبرها النقاد أعمالاً فنية.
تلك البداية ظلّت تهيمن على تجربته، حيث يحظى باهتمام باحثين وناشطين سياسيين يرون أنه يعبّر عن هويات المهمشين ومن لا يستطيعون أن يوصلوا رأيهم، بدليل ارتداء شباب من مختلف أنحاء العالم ما يصمّمه من أزياء ودمى وإكسسوارات، بينما يعتقد بعض النقاد والمقتنين أن أعماله لا تخرج عن البعد التجاري متخلّية عن قيمتها الفنية، رغم أن أسعارها تصل إلى الملايين.
يتناول سيلانت بحث كاوس في العلاقة بين الفنون والنزعة الاستهلاكية والتفاعل بينهما في تاريخ الفن وثقافة البوب، في إشارة إلى تخريبه أبطال الرسوم المتحركة الذين يُنظر إليهم كأيقونات في العالم كلّه، بأسلوب يعيد التذكير بالاستلاب لشخصياتهم وتحويلها إلى مشهد للاستهلاك الجماعي كمنتج ثقافي وتجاري، كما يظهرها الكتاب الذي يتضمّن أول مسح بصري موثّق لها.
من بين الأعمال التي يوثّقها الكتاب: "الوقت الضائع" (2016)، و"برج العزلة" (2015)، و"أيام كأنها دقائق" (2013) وهما منفّذتان بالأكرليك على القماش، و"تشوم" (2008) وهي مكوّنة من زجاج ليفي وطلاء، إضافة إلى "يأكلُ بمفرده" (2014) المنفّذة من الرخام الصناعي.
يُذكر أن كاوس تخرّج من كلية الفنون البصرية في نيويورك، وعمِل بعد ذلك في شركة ديزني رسّاماً، حيث أتيحت له فرصة المساهمة في رسم العديد من الأفلام التي شكّلت خلفية لمعظم نتاجاته اللاحقة، وقد أخذ لقبه نتيجة إعجابه بعمل للفنان الأميركي ريمون بيتيبون بعنوان "مختوماً بقبلة" أو "Sealed With A Kiss"؛ واختصاره (SWAK) والتي قلبها لتغدو اسمه الجديد.