"كان" ياما كان.. ختام قبل الأوان

23 مايو 2014
مشهد من فيلم "تمبكتو" المرشّح للفوز
+ الخط -

يودع عشاق السينما في يوم مشمس غداً الدورة السابعة والستين من مهرجان "كان" السينمائي، حيث تتواصل التكهنات حول اسم الفيلم الذي سيحظى بذهب السعفة هذا العام، في ظلّ تكتم شديد من طرف لجنة التحكيم التي ترأسها المخرجة النيوزيلندية جون كامبيون.

فبعد عاصفة مطرية أغرقت (أمس) البساط الأحمر الذي ظلّ ممدوداً في الجنوب الفرنسي على مدى 9 أيام لنجوم 23 فيلماً ضمن المسابقة الرسمية؛ يجازف بعض النقاد والمتابعون المتحمسون في نشر لوائحهم النهائية حول الأفلام الأكثر حظاً في التتويج هذه السنة، ويأتي في مقدمتها فيلم "تمبكتو" للموريتاني عبدالرحمن سيساكو، و"سبات شتوي" للتركي نوري جيلان، و"يومان وليلة" للأخوين البلجيكيين جان بيير ولوك داردان.

فيما ستبقى كلمة الحسم أسيرة شفتي كامبيون حتى يوم غد، بعد تقديم موعد الختام يوماُ واحداً في تنازل من المنظمين لصالح الانتخابات الأوروبية التي ستجري السبت، الأمر الذي سيفسح المجال للضيوف والمضيفين على السواء للعودة إلى مشاغلهم السياسية باكراً.

وسيشكل فوز الفيلم الموريتاني ـ في حال صحت التوقعات والآمال ـ الاختراق العربي المستحق الثاني لخزنة ذهب الكروازيت، منذ فيلم "سنوات الجمر" للجزائري الأخضر حامينا في 1975 (نال حصته منها المصري يوسف شاهين عن مجمل أعماله في 1997).

يدور سيساكو بعدسته في "تمبكتو" (على الحدود الموريتانية) طوال سنوات أربع متقصياً آثار الخراب الذي خلفته إحدى التنظيمات الإسلامية المتطرفة (أنصار الدين) في شمال مالي منذ 2012، من تدمير للأضرحة التاريخية، والمواقع الأثرية المدرجة على قائمة التراث العالمي، ناهيك عن قائمة المحرمات التي فرضتها الجماعة المتشددة وشملت إلى جانب التدخين والغناء، كرة القدم.

للأتراك بدورهم حصتهم المشروعة من الطموح للوصول إلى السعفة الأعلى من نخيل "كان". كيف لا، ولنوري جيلان (1959) حظوة خاصة في أروقة المهرجان الفرنسي منذ 2003، حيث نال حينها "الجائزة الكبرى" عن شريطه "بعيد"، فيما ظلّ المخرج نفسه قريباً، فخطف جائزة "أفضل إخراج" بعدها بخمس سنوات عن فيلمه "ثلاثة قردة"، ليعود ثانية إلى الجائزة الكبرى مع "حدث ذات مرة في الأناضول" في 2011.

ولا يغادر جيلان في سباته الشتوي هذا العام الأناضول، ليروي على طريقة معلمه "أنطون تشيخوف" حكاية قرية تركية تقدمها لنا عين المصور الفوتوغرافي العتيق وكأنها منحوتة في صخر تلك الجبال البعيدة، فيما تتحرك شخوصه الرئيسية في زمنها الخاص (3 ساعات) الذي تفرضه عزلة المكان. عزلة بالكاد تخلخلها غزوات السياح المأخوذين بصور الخيول التي لا تعيش أصلاً بتلك الكثافة في جغرافيا المنطقة، كما تظهر في الدعايات الترويجية، والضرورية لكسب القوت، طالما أن شخصية الفيلم الأولى (آيدن) هو ممثل متقاعد، وملّاك أراض يدير فندقاً كان سعيداً بمنحه اسماً شكسبيرياً (عطيل)، بمعونة زوجته الشابة المثالية والضجرة "نهال"، وأخته "نجلاء" التي تكافح عبثاً تجربة زواج فاشلة.

وإذا كان هذا حال الموريتانيين والأتراك فما بالنا بجيران الفرنسيين المضيفين أنفسهم. فالبلجيكيان المجتهدان داردان لا يزالان يمنّيان النفس باجتراح إنجاز سينمائي تاريخي نادر من خلال اعتلائهما منصة الشرف الرئيسية للمرة الثالثة في أقل من عقدين، خاصة وأن بصمات جان بيير وأخيه لوك لم تُمح بعد عن الأغصان المشتهاة للجائزة بعد شريطيهما "الطفل" (2005)، و"روزيتا" (1999).

إذ يتناول فيلمها الجديد هذا العام قضية ستكون إحدى المحاور الرئيسية التي ينوي غالبية مواطني القارة العجوز شد رحالهم إلى صناديق الاقتراع في الأربع والعشرين ساعة القادمة لحسمها، ألا وهي البطالة.

فطاحونة الرأسمالية المتغولة تسحق بلا ندم حيوات وأحلام فقراء هذا الكوكب المأزوم في بؤرة عدستي الأخوين داردان (جان بيير 1951 ولوك 1954)، عبر نقد مرير لثقافة اقتصاد السوق الذي يدفع بالعلاقات الإنسانية، في المجتمع الغربي على وجه الخصوص، إلى دركات تتناقض بشكل جذري مع بديهيات التضامن الإنساني، إنّما من دون الوقوع في شرك التشاؤم المجاني، أو الاستسلام للعدمية واللاجدوى.

وإن كان اختيار فيلم "حفنة من الدولارات" (سيرجيو ليوني) ليكون مسك ختام مهرجان "كان" هذا العام، في نفحة نوستاليجية من الزمن الأميركي "الجميل" مع كلينت ايستوود؛ قد غطى بعض الشيء على أزمة القبل الإيرانية (ليس في طهران) التي منحتها عضو لجنة التحكيم ليلى حاتمي لرئيس المهرجان المتقاعد جيل جاكوب؛ فإنّ وصف المخرج الفرنسي (من أصل تشيلي) راؤول رويس للمهرجان ككل بأنه "كومة قمامة كبيرة" (جنباً إلى جنب مع مهرجان برلين والبندقية) ما زال يرن في الآذان.

وصاحب شريط "الأرواح القوية" الذي عرض فيلمه مؤخراً في المسابقة الرسمية (دون المشاركة فيها) ليس وحده من يملك تحفظات تجاه أحد أشهر منابر العرض السينمائية الدولية. فقد سبقه إلى ذلك المخرج الفرنسي/السويسري جان لوك غودار (83 عاماً)، وأحد مؤسسي حركة "الموجة الجديدة" في الستينات، عندما وصف المهرجان سابقاً بأنّ ميزته لا تتعدى كونه "منصة دعاية كبيرة"، فيما صرّحت الممثلة الإيطالية مونيكا بيلوتشي (شاركت هذا العام بشريط "العجائب") في إحدى السنوات بأن حضور هذا المهرجان يثير ضجرها.

دلالات
المساهمون