وأخيراً اكتسب المقهى المخصص لأعضاء البرلمان دون سواهم من الموظفين أو أطقم الحماية الخاصة بهم، المعروف باسم "كافتيريا البرلمان"، لقب "مطبخ الاتفاقيات"، وتهكماً وصفه أحد النواب بأنه "خان المؤامرات والصفقات السياسية في العراق".
وعزا أعضاء في البرلمان ذلك إلى أنه "المكان الوحيد الذي يخلو من كاميرات التصوير الثابتة والمتحركة المنتشرة في جميع أروقة مبنى البرلمان، كما أن غالبية أعضاء البرلمان من المدخنين والمدمنين على القهوة والشاي الذي يقدّم لهم مجاناً".
وعلى الرغم من إصدار البرلمان الأسبوع الماضي، بياناً ردّ فيه على وسائل إعلام محلية قالت إن "الكافتيريا تحوّلت إلى مطعم مجاني يقضي فيه النواب وقتاً أكثر من الوقت الذي يقضونه تحت قبة البرلمان، التي لا تبعد سوى بضعة أمتار عن المقهى"، واعتبرها "معلومات مضللة تسيء للسلطة الشرعية في العراق".
إلا أن عضواً بارزاً في البرلمان أكد استبدال "رئاسة البرلمان العاملين في الكافتيريا من العراقيين بآخرين من جنسيات هندية وبنغالية، كون كل كتلة تعمل على التجسس على حديث الكتلة الأخرى داخل الكافتيريا".
وأضاف أن "غالبية الاتفاقيات التي تجري تطبخ داخل الكافتيريا قبل الدخول إلى قاعة البرلمان، كما أن إكمال النصاب القانوني من عدمه يبدأ بالكافتيريا، والخميس الماضي رفض 64 نائباً دخول القاعة، ما اضطر هيئة الرئاسة للتدخل والطلب منهم مغادرة الكافتيريا والدخول إلى البرلمان".
وتبلغ مساحة الكافتيريا 120 متراً مربعاً وتحتوي على 40 طاولة ونحو 100 كرسي، يتم استبدالها عادة كل ستة أشهر بسبب تلفها، رغم جودة النوعيات التي يتم شراؤها، وذلك بسبب ما يصفه أحد الموظفين في مبنى البرلمان "بدانة أغلب البرلمانيين واستخدامهم المتكرر لها في المناوشات، التي باتت تتكرر فيها بين حين وآخر. كما تتخذ جلسات الكتل السياسية فيها باحة الكافتيريا صورة قريبة جداً من صور عمال مناجم الفحم في الولايات المتحدة مطلع القرن الماضي، حين تحجز كل جماعة منهم زاوية تكاد تكون محجوزة لهم، حتى وإن لم يحضروا فلا يجلس عليها أحد. فالطاولات التي على اليمين معروفة بأنها لجماعة التحالف الوطني، بينما الطاولات التي على الشمال حيث بوفيه الشاي، فتكون للتحالف الكردستاني. وتتخذ كتلة تحالف القوى وسط الكافتيريا، بينما يجلس النواب المستقلون والعلمانيون في مناطق مبعثرة. وفي بعض الأحيان لا يجدون مكاناً لهم داخلها".
من جهته، وصف النائب في البرلمان عن الدورة التشريعية الثانية محمد المياحي، الكافتيريا بأنها "صورة مختصرة للواقع السياسي في العراق، تصف وضع السياسيين اللامنتمين لطائفة أو قومية". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "في هذا المكان تُطبخ كل الصفقات، فلا دخول للبرلمان قبل الاتفاق على التصويت لهذا القرار أو ذلك القانون أو سحب ثقة من وزير أو استجواب مسؤول".
وتابع "بعض النواب يطلقون تصريحات طائفية، فتُشعل الشارع لأيام، لكن مطلقيها يخرجون بعد دقائق إلى الكافتيريا لتبادل السلام والنكات في ما بينهم، قبل أن يعودوا بوجوه عابسة أمام الكاميرات في قاعة البرلمان، ويدّعي كل منهم حرصه كذباً على الطائفة والقومية. وهذا أكثر وجه بشع بالعملية السياسية العراقية كلها".
وهو ما أكده النائب في البرلمان حيدر الملا، في لقاء تلفزيوني سابق، قال فيه إن "أغلب الصفقات السياسية تنضج داخل الكافتيريا"، مبيّناً أنه "لم تعد كافتيريا البرلمان استراحة فحسب، بل هي من أكبر المطابخ السياسية في البلاد تتم فيها الصفقات والعقود وتقاسم المناصب بين الكتل".
من جهته، علّق النائب مازن المازني على ذلك بقوله إن "كافتيريا البرلمان حاضرة عندما تكون هناك خلافات حول قانون أو تشريع معين". ولفت في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المباحثات واللقاءات التي تُعقد للتوصل إلى اتفاق ما، تتمّ داخل الكافتيريا قبل الدخول إلى قاعة البرلمان لبدء التصويت عليها".
كما اعتبر صحافيون مرخصون للعمل داخل البرلمان أن "الجلسات المغلقة للبرلمان التي يتم فيها إخراجهم لم تعد مشكلة، فبمجرد خروج النواب وتوجههم إلى الكافتيريا، يُمكن الاستماع إلى ما حدث بالتفصيل خلال مناقشاتهم". وقال أحد الصحافيين العاملين داخل البرلمان "نحصل على كل شيء من هناك، وأغلب التسريبات التي تخرج للإعلام تكون من كافتيريا البرلمان". وأشار إلى أن "عدداً من أعضاء البرلمان يأتون ويسجلون حضورهم ثم يغادرون القاعة إلى الكافتيريا، ولا يخرجون إلا عند انتهاء الجلسة الرسمية للبرلمان، يقضون أوقاتهم في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي أو بعض الألعاب على أجهزتهم الإلكترونية".