بدت تداعيات اعتداءات باريس الخارجية واضحة وسريعة عبر دفع الدول الكبرى إلى تبديل استراتيجيتها في التعاطي مع الصراع السوري، وهو ما بدا واضحاً في المقررات التي خرجت عن مؤتمر فيينا 3 والتي دعمت وقفاً لإطلاق النار، على الرغم من استمرار الخلاف على مصير رئيس النظام السوري، بشار الأسد، من دون استبعاد نظامه من الحل. هذا الأمر عبّر عنه بوضوح الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، الذي رحّب بتجدد الشعور بالحاجة المُلحة للتوصّل إلى حل للحرب في سورية بعد هجمات باريس، قائلاً في مؤتمر صحافي خلال قمة مجموعة العشرين، أمس، إن خريطة الطريق بشأن سورية "مشجعة وطموحة".
لكن مراقبين رأوا أن مخرجات مؤتمر فيينا لم ترق إلى مستوى الطروحات القابلة للتطبيق عملياً، سواء لجهة القدرة على وقف إطلاق النار أو التوافق على طبيعة وشكل المرحلة الانتقالية، الأمر الذي جعلهم يعتبرون المؤتمر خطوة إلى الوراء، فيما رأى فيه بعض المعارضين "قراراً بتصفية الثورة السورية"، و"تسعيراً للخلاف، وفتح باب للمهاترات السياسية"، بينما رحب الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، ترحيباً حذراً بما خرج به الاجتماع.
وانتهى لقاء "فيينا 3"، من دون اتفاق على مصير الأسد، فيما اتفق المجتمعون على عقد لقاء جديد "خلال نحو شهر لإجراء تقييم للتقدّم بشأن التوصّل لوقف لإطلاق النار وبدء عملية سياسية" في سورية، بحسب ما جاء في البيان الختامي. وأفاد البيان "أن ممثلي الدول الـ17 إضافةً إلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، اتفقوا خلال اللقاء على جدول زمني محدد لتشكيل حكومة انتقالية في سورية، خلال ستة أشهر، وإجراء انتخابات خلال 18 شهراً".
ورحب الأمين العام للائتلاف الوطني السوري، يحيى مكتبي، ترحيباً حذراً بمقررات المؤتمر، وقال في تصريح لـ"العربي الجديد": "من حيث المبدأ هناك نقاط إيجابية يمكن البناء عليها، ونحن بانتظار اجتماع مع سفراء دول صديقة لوضعنا في تفاصيل ما جرى ليتخذ الائتلاف موقفاً واضحاً من هذه المقررات"، مؤكداً أن الائتلاف "شريك في مكافحة الإرهاب، ولولا التراخي الدولي في التعامل مع حرب الإبادة التي يشنّها بشار الأسد على الشعب السوري، لما كان لتنظيم داعش أن يتمدد في سورية".
من جهته، قال عضو الائتلاف الوطني، عقاب يحيى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن المشاركين في مؤتمر فيينا "رحّلوا خلافاتهم"، مشيراً إلى أن أحداث باريس الدامية "منعت التوصل لاتفاق حول أهم نقاط جدول الأعمال، وهي تصنيف القوى الإرهابية، وتحديد المعارضة، والموقف من بشار الأسد"، معتبراً أنه "جرى الالتفاف على أهم بنود جنيف 1 وهي هيئة الحكم الانتقالي بحيث شطبوها لصالح حكومة وحدة وطنية".
اقرأ أيضاً: فيينا3: وقف إطلاق النار واستمرار الخلاف على مصير الأسد
أما المعارض السوري صلاح بدر الدين، فاعتبر في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن مقررات فيينا الأخيرة مقارنة بفيينا 1 و2 وبجنيف 1 و 2 من حيث المشاركة وجدول الأعمال والنتائج، "خطوة إلى الوراء"، لافتاً إلى أن "هذا الأمر نتيجة من يراهن على الحلول الخارجية للقضية السورية، فهذه الحلول تعتمد مفهوماً غير واضح للثوار المتمسكين بشعار إسقاط النظام وليس التصالح معه كما نفهمه".
ورأى بدر الدين أن "من أهم أسباب فشل فيينا 3 عدم تمثيل قوى الثورة وحتى المعارضة"، وبسبب "اتفاق أساسي بين كافة الأطراف المشاركة بقبول بقاء النظام بكل مؤسساته، فيما الاختلاف الشكلي هو حول رأس النظام وهو ليس بشيء ذي قيمة، بالإضافة إلى ظهور العامل الروسي بقوة وثقل في فيينا على الرغم من عدوانه ومعاداته للشعب السوري". وأشار إلى أن "الأمر الوحيد المعلن كقاسم مشترك هو الاتفاق على وقف إطلاق النار بدلاً من مطالبة النظام بوقف رمي البراميل المتفجرة، والروس بعدم قصف قوى الثورة والمدنيين".
ولفت بدر الدين إلى أن القضية السورية انتقلت إلى طور جديد، موضحاً أنه "قبل أشهر كان الصراع في سورية وداخلها من أجل غد أفضل وإسقاط الاستبداد، وإعادة بناء سورية الديمقراطية التعددية الجديدة، والآن بعد ظهور العامل الروسي وضمور الدور الأميركي وتردد إدارته، وجبن النظام العربي الرسمي، وخيانة أصدقاء الشعب السوري، نحن أمام عتبة مرحلة الصراع على سورية بين القوى العالمية والإقليمية، لتقسيمها إلى مناطق النفوذ، وليس للسوريين أي دور في إقرار مصير بلدهم".
وأعرب عن اعتقاده أن الحل "يكمن في عقد مؤتمر وطني سوري جامع لصياغة البرنامج السياسي الإنقاذي، وانتخاب مجلس سياسي عسكري مشترك لمواجهة التحديات وقيادة المرحلة".
أما عضو "الهيئة الوطنية الاستشارية للتغيير"، أحمد رياض غنام، فذهب أبعد من ذلك، إذ اعتبر ما حدث في فيينا قراراً بتصفية الثورة السورية "اتُخذ بالإجماع، وبمساهمة من بعض الأطراف المنخرطة سياسياً وعسكرياً في الحراك الثوري". وتابع في حديث مع "العربي الجديد": "ما خرج للعلن من بنود تم الاتفاق عليها هي أقل مما دار في داخل الاجتماعات، ولكن التحاذق السياسي، وتدوير الزوايا ساهم في إضفاء نوع من الضبابية على مواقف بعض القوى العربية والدولية من أجل ترك الباب موارباً لأي رفض قد يأتي من القوى الوطنية السورية (مستقلين، وائتلاف، ومعارضة مسلحة)، أو من بعض الدول، إذ سيكون هناك مجال للمناورة، ولكن ليس لتغيير ما تم الاتفاق عليه".
وتابع غنام: "لقد نجح المجتمعون في فيينا في إيجاد المادة الوسيطة لتسعير الخلاف، وفتح باب المهاترات والاتهامات بين تلك القوى"، معرباً عن اعتقاده أن مقررات فيينا "انتصار روسي إيراني بالمطلق، ولا يحدد أفق هذا النصر سوى موقف القوى المعارضة على المستوى السياسي وكذلك القوى المسلحة"، مطالباً بالتعامل بـ"إيجابية ولكن ليس كما ورد في البيان الختامي، وخصوصاً في موضوع التصنيفات الخاصة بالقوى المقاتلة، والمرجعية الدولية للمفاوضات، والتأكيد على المرحلة الانتقالية على ألا تتجاوز الستة أشهر، من دون أن يكون هناك أي دور للأسد فيها، وعدم اعتماد الدستور الحالي كمرجعية دستورية في أي مرحلة من مراحل التحوّل، على أن تقوم جمعية وطنية مختارة بكتابة دستور عصري للبلاد تسهم بإعداده المكونات السورية كافة، ويراعي مصلحة الجميع، والتأكيد على النظام السياسي الديمقراطي، وبعدها يمكن الإعلان عن انتخابات برلمانية تعقبها انتخابات رئاسية تحت رقابة دولية".
وختم بالقول: "الأهم عدم خوض المرحلة الانتقالية قبل خروج القوى الغريبة كافة عن سورية، إذ لا يمكن أن يكون هناك أي حراك سياسي، أو انتقال حقيقي تحت حراب المحتل الروسي والإيراني، وحزب اللّه، وداعش، والقاعدة، والمليشيات الشيعية".
اقرأ أيضاً: المعارضة السورية تنقل وجهة نظرها لفيينا بست نقاط