وأشارت المجلة إلى أن من يتأمّل حديث وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد، خلال منتدى عام أُقيم في الرياض قبل سنتين، لا يجدها غريبة عن خطاب "الإسلاموفوبيا" المتصاعد في الغرب، والذي مثّل جزار المسجدين في نيوزيلندا، برينتون تارينت، تجلّيه الدامي على أرض الواقع. الأفكار ذاتها التي اعتنقها تارينت، ودوّنها بنفسه في بيانه المطوّل
وحاولت فورين بوليسي، عبر تسليط الضوء على حديث المسؤول الإماراتي، قراءة نقاط الالتقاء الأيديولوجي والسياسي بين هذا الخطاب الذي تتبنّاه دول مسلمة في الخليج اليوم، تحديدًا السعودية والإمارات، وبين خطاب "الإسلاموفوبيا" العنصري الذي تتبنّاه تيارات اليمين المتطرّف في أوروبا اليوم.
ولم تكن المجلّة في الواقع من استحضر ذلك الخطاب لوزير الخارجية الإماراتي، الذي يعود تاريخه إلى عام 2017، بل يعود الفضل في التذكير به لإحدى أبرز الشخصيات الإماراتية على وسائل التواصل الاجتماعي: حسن سجواني، وهو من عائلة مقربة من السلطات في الإمارات ومن الإدارة الأميركية الحالية التي يتصدّرها دونالد ترامب حاليًا (عمه مؤسس شركة داماك، التي طورت نادي ترامب للغولف في دبي). سجواني أعاد نشر حديث الوزير الإماراتي في سياق مختلف وغير مؤاتٍ تماماً: بعد مذبحة المسجدين في نيوزيلندا.
وتقدّم المجلّة ذلك المثال بوصفه مؤشراً على ما يتمّ تجاهله عادة: مسؤولية بعض الحكومات العربية والإسلامية في تغذية كراهية المسلمين كجزء من حملاتها ضد المعارضة داخل بلادها وخارجها. يسوّق ذلك الخطاب، كما يورد التقرير، في إطار تبرير القمع الذي تنتهجه تلك الحكومات ضدّ "الإسلاميين" المعارضين، واسترضاءً للجماهير الغربية. وفي سبيل ذلك، أقامت تلك الأنظمة تحالفًا غير معلن مع الجماعات المحافظة واليمينة وشخصيات في الغرب تكرّس نفسها لدفع التعصب المناهض للإسلام.
وتكتب المجلّة أن مثل تلك الحملات التي تتبناها حكومات عربية تذهب أبعد من مجرد محاولة شرح تهديدات معيّنة يمثّلها "الإسلاميون"، لتستعير في الغالب تكتيكات التخويف والتهديد بهدف خلق جو يبدو فيه أي بديل لتلك الأنظمة غير مقبول بالنسبة للساسة في الغرب. هكذا تتمكّن تلك الأنظمة من قمع المعارضة في الداخل من دون عقاب، ويصبح الإرهاب مبررًا للقمع.
على ذلك النحو، نجحت تلك الأنظمة في التلاقي بالفعل مع أشد القواعد تطرفًا داخل المجتمعات الغربية. تضرب المجلة مثالًا على ذلك حالة دافيد ديوك، زعيم "كو كلوكس كلان" السابق، وهي منظمة نشأت في الولايات المتّحدة وتتبنى نظريات تفوّق العرق الأبيض، ومعاداة السامية، وغيرها من الأفكار العنصرية. ديوك كتب تغريدة في عام 2017 يدافع فيها عن جرائم رئيس النظام، بشار الأسد، ضد شعبه، قائلًا: "الأسد هو بطل العصر الحديث الذي يقف في وجه قوى تسعى لتدمير شعبه وأمته. الله يبارك الأسد!".
على الخطّ ذاته أيضًا، كان محمد الحبتور، وهو رجل أعمال ذو نفوذ في دبي، قد نشر مقالة في أغسطس/ آب 2015 في صحيفة "ذا ناشونال" الإماراتية الناطقة بالإنكليزية. حبتور شرح في مقاله ذاك الأسباب التي تدفع لدعم ترامب، الذي كان مرشحًا للرئاسة في ذلك الوقت، واصفًا الأخير بأنه "خبير استراتيجي يتمتع بعقلية تجارية داهية"، بالرغم من تصريحاته التي كان فيها استهداف للمسلمين، من بين كثيرين يندرجون ضمن "الآخر" الذي يعاديه ترامب. لكن الحبتور رأى في مقاله أن بعض الحكومات العربية، أو الشخصيات المقربة منها (وهو إحداها)، كانت سعيدة بعقد التحالفات مع النشطاء المناهضين للإسلام في الغرب؛ ليس على الرغم من خطابهم، ولكن بسببه. لاحقًا حاول الحبتور سحب تصريحاته تلك عندما سئل عنها في مقابلة مع "بلومبيرغ"، قائلًا إن ذلك كان "كلامًا سياسيًا"، و"الكلام رخيص".
وتشرح المجلّة كيف أن تلك الأنظمة كلّما ازداد الضغط عليها من قبل الغرب ازدادت انحيازاً نحو أقطاب اليمين المتطرف في الغرب، وتوسّلًا بخطاب التخويف من التطرّف والإرهاب، مستندة إلى نموذج السعودية مثلًا، التي حينما بدأت تواجه انتقادات غربية متصاعدة على خلفية جرائهما في حرب اليمن، وجريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، واعتقال الناشطات النسويات؛ أرسلت وفدًا نسائيًا للقاء بمجموعة اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي.
وفي المجمل، يبقى الصعود المتزامن لشخصيّتين مثل دونالد ترامب في الغرب، ومحمد بن سلمان في الشرق، التجسيد الصارخ للعلاقة المترتّبة على التقاء المصالح والأيديولوجيّات بين بعض الأنظمة العربية وتيارات اليمين التي باتت تكتسب زخمًا أكبر في الغرب. الأفكار ذاتها، كما تكتب المجلّة، استخدمت لتسويق بن سلمان لدى الغرب، وفد عبّر عنها سفير الإمارات لدى الولايات المتّحدة، يوسف العتيبة، في إحدى رسائله المسرّبة حين كتب يردّ على شكاوى حول استمرار ظهور التنظيمات المتطرّفة في الشرق الأوسط قائلًا: "سأكون أول من يعترف أن تلك الأيديولوجية تمثّل مشكلة... لكننا أخيرًا نرى في السعودية من هو على استعداد للتعامل معها".